فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [البقرة: 234]- إلى قوله - {بما تعملون خبير} [البقرة: 234]

باب { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} -إِلَى قَوْلِهِ- { بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { والذين يتوفون منكم ويذرون} ) ويتركون ( { أزواجًا} -إلى قوله-) تعالى: ( { بما تعملون خبير} ) [البقرة: 234] عالم بالبواطن وساق في رواية كريمة الآية كلها.


[ قــ :5052 ... غــ : 5344 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { غَيْرَ إِخْرَاجٍ} .

     وَقَالَ  عَطَاءٌ إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ: { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ} [البقرة: 240] قَالَ: عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلاَ سُكْنَى لَهَا.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: ( أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة القيسي البصري قال: ( حدّثنا شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن عبادة مقرئ مكة قرأ على ابن كثير المكي ( عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة مهملة عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر أنه قال في تفسير قوله تعالى: ( { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدة) أي التربص أربعة أشهر وعشرًا
المذكور في الآية ( تعتد عند أهل زوجها) أمرًا ( واجبًا) ولكريمة واجب بالرفع خبر مبتدأ محذوف ( فأنزل الله) تعالى بعدها ( { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم متاعًا} ) نصب بالوصية لأنها مصدر أو تقديره متعوهن متاعًا ( { إلى الحول} ) صفة لمتاعًا ( { غير إخراج} ) مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول ( { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن} ) من التزين والتعرض للخطاب ( { من معروف} ) [البقرة: 240] مما ليس بمنكر في الشرع ( قال) مجاهد ( جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة) في هذه الآية الثانية ( وصية) من زوجها ( إن شاءت سكنت في وصيتها) التى أوصاها لها الزوج ( وإن شاءت خرجت) بعد الأربعة الأشهر والعشر ( وهو قول الله تعالى: { غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك) قاله ابن أبي نجيح ( عن مجاهد) وكأن الحامل له على ذلك كما قاله الخطابي استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ، فرأى أن استعمالها ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدّة أربعة أشهر وعشرًا، ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم بقية الحول إن أقامت عندهم وهو قول لم يقله أحد من الفسرين ولا تابعه أحد من الفقهاء عليه.

( وقال عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( نسخت هذه الآية) الأولى ( عدّتها عند أهلها) المذكورة في الآية الثانية ( فتعتد حيث شاءت) لأن السكنى تبع للعدّة فلما نسخ الحول بالأربعة الأشهر والعشر نسخت السكنى أيضًا ( و) كذا ( قول الله تعالى { غير إخراج} ) نسخ أيضًا كما عليه الجمهور ( وقال عطاء) أيضًا: ( إن شاءت) المتوفى عنها زوجها ( اعتدت عند أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أهله ( وسكنت في وصيتها إن شاءت خرجت لقول الله) تعالى: ( { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن} ) وسقط لفظ أنفسهن لغير أبي ذر ( قال عطاء) المذكور ( ثم جاء الميراث فنسخ السكنى) كما نسخت آية الخروج وهي فإن خرجن فلا جناح عليكم وجوب الاعتداد عند أهل الزوج ( فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها) وهو قول أبي حنيفة كما مر.




[ قــ :5053 ... غــ : 5345 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ابْنَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا جَاءَهَا نَعِيُّ أَبِيهَا، دَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَحَتْ ذِرَاعَيْهَا .

     وَقَالَتْ : مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة ( عن سفيان) الثوري ( عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( حميد بن نافع) الأنصاري ( عن زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة ( عن أم حبيبة ابنة) ولأبي ذر بنت ( أبي سفيان) صخر بن حرب ( لما جاءها نعيّ) بفتح النون وكسر العين المهملة وتشديد التحتية وبسكون العين وتخفيف التحتية خبر موت
( أبيها) أبي سفيان ( دعت بطيب فمسحت) منه ( ذراعيها وقالت: ما ليس بالطيب من حاجة لولا أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) .
واستدلّ به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية، ومن ثم تناولت أم حبيبة الطيب لتخرج عن عهدة الإحداد وصرحت بأنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر.