فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التيمم

باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
( باب الصلاة على النفساء) بضم النون وفتح الفاء مع المد مفرد وجمعه نفاس فليس قياسًا لا في
المفرد ولا في الجمع، إذ ليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال إلا نفساء وعشراء، والنفساء هي
الحديثة العهد بالولادة ( وسنّتها) أي سُنة الصلاة عليها.


[ قــ :329 ... غــ : 332 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ وَسَطَهَا.
[الحديث 332 - طرفاه في: 1331] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أحمد بن أبي سريج) بضم السين المهملة وآخره جيم الصباح بتشديد
الموحدة الرازي، قيل: نسبه المؤلف إلى جدّه لشهرته به واسم أبيه عمر ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر
حدّثنا ( شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدتين ابن سوار بفتح المهملة وتشديد الواو وآخره راء
الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي ( قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ( شعبة) بن الحجاج ( عن حسين
المعلم)
بكسر اللام المشدّدة المكتب ( عن ابن بريدة) وللأصيلي عن عبد الله بن بريدة بضم الموحدة
وفتح الراء ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الأسلمي المروزي التابعي، ( عن سمرة بن
جندب)
بضم الجيم وفتح الدال وضمها ابن هلال الفزاري، المتوفى سنة تسع وخمسين ( أن امرأة) هي
أُم كعب كما في مسلم ( ماتت في) أي بسبب ( بطن) أي ولادة بطن، فالمراد النفاس ( فصلى عليها
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام وسطها)
أي محاذيًا لوسطها بتحريك السين على أنه اسم وبتسكينها على أنه ظرف،
وللكشميهني فقام عند وسطها.

ورواة هذا الحديث ما بين رازي ومدني وبصري ومروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في الجنائز وكذا مسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة

باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط للأصيلي.


[ قــ :330 ... غــ : 333 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ - اسْمُهُ الْوَضَّاحُ - مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ.
[الحديث 333 - أطرافه في: 379، 381، 517، 518] .

وبالسند قال: ( حدّثنا الحسن) بفتح الحاء المهملة ( ابن مدرك) بضم الميم من الإدراك السدوسي
البصري ( قال: حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني، المتوفى سنة خمس عشرة ومائتين ( قال: أخبرنا أبو
عوانة)
بفتح العين ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر اسمه الوضاح ( من كتابه) أشار
بذلك إلى ما قاله أحمد إذا حدّث من كتابه فهو أثبت، وإذا حدّث من غيره فربما وهم ( قال: أخبرنا)
ولأبي ذر عن الكشميهني حدّثنا ( سليمان) بن أبي سليمان ( الشيباني عن عبد الله بن شدّاد) هو ابن
الهاد، وأمه سلمى بنت أبي عميس أخت ميمونة لأمها ( قال) : ( سمعت خالتي ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها) أي ميمونة ( كانت تكون) إحداهما زائدة كقوله:
وجيران لنا كانوا كرام

فلفظة كانوا زائدة وكرام بالجر صفة لجيران أو في كان ضمير القصة وهو اسمها حائضًا
وخبرها حائضًا، أو تكون هنا بمعنى تصير ولابن عساكر أنها تكون ( حائضًا لا تصلي وهي مفترشة)
أي منبسطة على الأرض ( بحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة والد أي إزاء ( مسجد) بكسر
الجيم أي موضع سجود ( رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته لا مسجده المعهود كذا قرروه، وتعقبه في المصابيح
بأن المنقول عن سيبويه أنه إذا أريد موضع السجود قيل مسجد بالفتح فقط.
( وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( يصلي على خمرته) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة صغيرة من خوص سميت بذلك لسترها
الوجه والكفّين من حرّ الأرض وبردها، ومنه الخمار ( إذا سجد) عليه الصلاة والسلام ( أصابني بعض
ثوب)
هذا حكاية لفظها، وإلا فالأصل أن تقول أصابها.
والجملة حالية، واستنبط منه عدم نجاسة
الحائض والتواضع والمسكنة في الصلاة بخلاف صلاة المتكبرين على سجاجيد غالية الأثمان مختلفة
الألوان.

ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجة ولله الحمد.


بسم الله الوحمن الوحيم



كتاب التيمم
{ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] .
( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لكريمة بتقديم البسملة على تاليها لحديث كل أمر ذي بال،ولأبي ذر تأخيرها بعد اللاحق كتأخيرها عن تراجم سور التنزيل، وسقطت من رواية الأصيلي ( كتاب) بيان أحكام ( التيمم) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر باب التيمم وهو لغة القصد.
يقال: تيممت فلانًا ويممته وتأممته وأممته أي قصدته.
وشرعًا مسح الوجه واليدين فقط بالتراب، وإن كان الحدث أكبر وهو من خصوصيات هذه الأمة وهو رخصة.
وقيل: عزيمة، وبه جزم الشيخ أبو حامد ونزل فرضه سنة خمس أو ست ( قول الله تعالى) بلا واو مع الرفع مبتدأ خبره ما بعده، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل بدل قوله تعالى، وللأصيلي وابن عساكر وقول الله بواو العطف على كتاب التيمم أو باب التيمم أي وفي بيان قول الله تعالى: ( فلم تجدوا ماء) .
قال البيضاوي: فلم تتمكنوا من استعماله إذ الممنوع منه كالمفقود { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] أي فتعمدوا شيئًا من وجه الأرض طاهرًا، ولذلك قالت الحنفية: لو ضرب المتيمم يده على حجر صند ومسح أجزأه وقال أصحابنا الشافعية: لا بدّ من أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله: { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} أي من بعضه، وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض، ووقع في رواية النسفيّ وعبدوس والمستملي والحموي ( فإن لم تجدوا) قال الحافظ أبو ذر عند القراءة عليه التنزيل فلم تجدوا، ورواية الكتاب فإن لم تجدوا.
قال عياض في المشارق: وهذا هو الصواب، ووقع في رواية الأصيلي ( فلم تجدوا ماء فتيمموا) الآية وفي رواية أبي ذر إلى ( وأيديكم) لم يقل منه وزيادتها لكريمة والشبوي وهي تعين آية المائدة دون النساء.


باب

[ قــ :331 ... غــ : 334 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ - أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ - انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ.
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ،.

     وَقَالَ  مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا.
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.
[الحديث 334 - أطرافه في: 336، 367، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164، 550، 588، 6844، 6845] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) الإمام ( عن
عبد الرحمن بن القاسم)
بن محمد بن أبي بكر الصديق ( عن أبيه) القاسم ( عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
رضي الله عنها ( قالت) :
( خرجنا مع رسول الله) ولابن عساكر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) وهو غزوة بني المصطلق
كما قاله ابنا سعد وحبان، وجزم به ابن عبد البر في الاستذكار وكانت سنة ست كما ذكره المؤلف
عن ابن إسحاق، أو خمس كما قاله ابن سعد، ورجحه أبو عبد الله الحاكم في الإكليل، وفي هذه
الغزوة كانت قصة الإفك، وقال الداودي: وكانت قصة التيمم في غزوة الفتح ثم تردد في ذلك ( حتى
إذا كنا بالبيداء)
بفتح الموحدة والمدّ أدنى إلى مكة من ذي الحليفة ( أو بذات الجيش) بفتح الجيم
وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة موضعان بين مكة والمدينة والشك من أحد الرواة عن
عائشة، وقيل: منها واستبعد والذي في غير هذا الحديث أنه كان بذات الجيش كحديث عمار بن
ياسر رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي بإسناد جيد، قال: عرّس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذات الجيش
ومعه عائشة زوجه فانقطع عقدها الحديث، ولم يشك بينه وبين البيداء ( انقطع عقد لي) بكسر العين
وسكون القاف أي قلادة لي كان ثمنها اثني عشر درهمًا، والإضافة في قولها ليس باعتبار حيازتها اللعقد

واستيلائها لمنفعته لا أنه ملك لها بدليل ما في الباب اللاحق أنها استعارت من أسماء قلادة ( فأقام
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التماسه)
أي لأجل طلب العقد ( وأقام الناس معه وليسوا على ماء) ولغير أبي ذر:
وليسوا على ماء وليس معهم ماء.
فالجملة الأخيرة وهي وليس معهم ماء ساقطة عند أبي ذر هنا فقط
( فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق) رضي الله عنه ( فقالوا) له ( ألا ترى إلى ما صنعت عائشة) بإثبات
ألف الاستفهام الداخلة على لا وعند الحموي لا ترى بسقوطها ( أقامت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) بالجر
( وليسوا على ماء وليس معهم ماء) أسند الفعل إليها لأنه كان بسببها ( فجاء أبو بكر) رضي الله عنه
( ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه على فخذي) بالذال المعجمة ( قد نام فقال: حبست رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و)
حبست ( الناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة) رضي الله عنها: ( فعاتبني أبو بكر وقال
ما شاء الله أن يقول)
فقال: حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء ( وجعل يطعنني
بيده في خاصرتي)
بضم العين وقد تفتح أو الفتح للقول كالطعن في النسب والضم للرمح، وقيل:

كلاهما بالضم ولم تقل عائشة فعاتبني أبي بل أنزلته منزلة الأجنبي لأن منزلة الأبوّة تقتضي الحنوّ وما
وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر ( فلا) وللأصيلي فما ( يمنعني من
التحرك إلاّ مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فخذي، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أصبح)
دخل في الصباح، وعند
المؤلف في فضل أبي بكر فقام حتى أصبح ( على غير ماء) متعلق بقام وأصبح فتنازعا فيه ( فأنزل الله
آية التيمم)
التي بالمائدة، ووقع عند الحميدي في الحديث وفيه فنزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُم} الآية إلى قوله: { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] ولى يقل آية
الوضوء وإن كان مبدوءًا به في الآية لأن الطارئ في ذلك الوقت حكم التيمم والوضوء كان مقررًّا
يدل عليه وليس معهم ماء ( فتيمموا) بلفظ الماضي أي تيمم الناس لأجل الآية، أو هو أمر على ما هو
لفظ القرآن ذكره بيانًا أو بدلاً عن آية التيمم أي أنزله الله فتيمموا ( فقال) وفي رواية قال ( أسيد بن
الحضير)
بضم الهمزة في الأوّل مصغر أسد وبضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة في الآخر
الأوسي الأنصاري الأشهلي أحد النقباء ليلة العقبة الثانية، المتوفى بالمدينة سنة عشرين ( ما هي) أي
البركة التي حصلت للمسلمين برخصة التيمم ( بأول بركتكم يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة بغيرها
من البركات، وفي رواية عمرو بن الحرث: لقد بارك الله للناس فيكم، وفي تفسير إسحاق البستي
من طريق ابن أبي مليكة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما أعظم بركة قلادتك" ( قالت) عائشة رضي الله عنها:
( فبعثنا) أي أثرنا ( البعير الذي كنت) راكبة ( عليه) حالة السير مع أسيد بن حضير ( فأصبنا) ولابن
عساكر فوجدنا ( العقد تحته) .
وللمؤلف من هذا الوجه في فضل عائشة فبعث ناس من أصحابه في
طلبها أي القلادة.
وفي الباب التالي لهذا الباب فبعث عليه الصلاة والسلام رجلاً فوجدها، ولأبي
داود فبعث أسيد بن حضير وناسًا معه وجمع بينها بأن أسيدًا كان رأس من بعث فلذلك سمي في
بعض الروايات وكأنم لم يجدوا العقد أوّلاً، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا
البعير وجده أسيد بن حضير.
وقال النووي: يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.


واستنبط من الحديث جواز تأديب ابنته ولو كانت مزوجة كبيرة وغير ذلك مما لا يخفى.
ورواته الخمسة مدنيون إلا الأوّل وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في النكاح
والتفسير والمحاربين ومسلم والنسائي في الطهارة.




[ قــ :33 ... غــ : 335 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ح قَالَ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ - قَالَ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الَْغنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً».
[الحديث 335 - طرفاه في: 438، 31] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون زاد الأصيلي وهو العوفي
بفتح العين المهملة والواو وكسر القاف الباهلي البصري ( قال: حدّثنا) وفي رواية أخبرنا ( هشيم) بضم
الهاء وفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة الواسطي، المتوفى
سنة ثلاث وثمانين ومائة ( ح) مهملة للتحويل كما مرّ.

( قال) أي البخاري ( وحدّثني) بالإفراد وللأصيلي، وحدّثنا ( سعيد بن النضر) بفتح النون
وسكون المعجمة أبو عثمان البغدادي ( قال أخبرنا هشيم) الذكور ( قال: أخبرنا سيار) بفتح السين
المهملة وتشديد المثناة التحتية آخره راء ابن أبي سيار وردان الواسطي ( قال: حدّثنا يزيد) من الزيادة
في غير رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر كما في الفرع هو ابن صهيب ( الفقير) لأنه
كان يشكو فقار ظهره الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة ( قال: أخبرنا) وفي رواية حدّثنا ( جابر بن

عبد الله)
الأنصاري رضي الله عنه ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( أعطيت) بضم الهمزة ( خمسًا) أي خمس خضال، وعند مسلم من حديث أبي هريرة "فضلت
على الأنبياء بست" ولعله اطلع أوّلاً على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي، وإلاّ فخصوصياته
عليه الصلاة والسلام كثيرة والتنصيص على عدد لا يدل على نفي ما عداه، وقد استوفيت من
الخصائص جملة كافية مع مباحث وافية في كتابي الواهب اللدنية بالمنح المحمدية ولله الحمد.

وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أحمد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك عام غزوة تبوك ( لم
يعطهن أحد)
من الأنبياء ( قبلي) زاد في حديث ابن عباس لا أقولهن فخرًا وظاهر الحديث أن كل
واحد من الخمس لم يكن لأحد قبله وهو كذلك ( نصرت) بضم النون وكسر الصاد ( بالرعب) بضم
الراء الخوف يقذف في قلوب أعدائي ( مسيرة شهر) جعل الغاية شهرًا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد
من أعدائه أكثر منه، ( وجعلت لي الأرض) كلها ( مسجدًا) بكسر الجيم موضع سجود لا يختص

السجود منها بموضع دون آخر أو هو مجاز عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه إذ
المسجد حقيقة عرفية في المكان المبني للصلاة، فلما جازت الصلاة في الأرض كلها كانت كالمسجد
في ذلك فأطلق عليها اسمه.

فإن قلت: أيّ داع إلى العدول عن حمله على حقيقته اللغوية وهي موضع السجود؟ أجاب في
المصابيح بأنه إن بني على قول سبيويه أنه إذا أريد به موضع السجود قيل مسجد بالفتح فقط فواضح،
وإن جوز الكسر فيه فالظاهر أن الخصوصية هي كون الأرض محلاً لإيقاع الصلاة بجملتها لا لإيقاع
السجود فقط، فإنه لم ينقل عن الأمم الماضية أنها كانت تخص السجود بموضع دون موضع اهـ.

نعم نقل ذلك في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا، وكان من قبل إنما
يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فتثبت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من
حديث ابن عباس نحو حديث الباب، وفيه لم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه وعموم
ذكر الأرض في حديث الباب مخصوص بما نهى الشارع عن الصلاة فيه، ففي حديث أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" ورواه أبو داود وقال الترمذي
حديث فيه اضطراب، ولذا ضعّفه غيره، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجة: نهى
النبيب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي
معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله عز وجل.
قال الترمذي إسناده ليس بالقوي: وقد تكلم في
زيد بن جبير فمن قبل حفظه.

( و) جعلت ليس الأرض ( طهورًا) بفتح الطاء على المشهور واحتج به مالك وأبو حنيفة على جواز
التيمم بجميع أجزاء الأرض لكن في حديث حذيفة عند مسلم، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا،
وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء وهو خاص فيحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب
وهو قول الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه، ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ التربة على
خصوصية التيمم بالتراب فقال: تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره.
وأجيب بأنه ورد في
الحديث المذكور بلفظ التراب ورواه ابن خزيمة وغيره، وفي حديث علي عند أحمد والبيهقي بإسناد
حسن وجعل التراب لي طهورًا.

( فأيما رجل) كائن ( من أمتي أدركته الصلاة) جملة في موضع جر صفة لرجل وأي مبتدأ معنى
الشرط زيد عليها ما لزيادة التعميم ورجل مضاف إليه، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي: فأيما
رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورًاً ومسجدًا، وعند أحمد فعنده طهوره
ومسجده، ( فليصل) خبر المبتدأ أي بعد أن يتيمم أو حيث أدركته الصلاة، ( وأحلت لي الغنائم) جمع
غنيمة وهي ما حصل من الكفار بقهر، وللكشميهني كمسلم المغانم بميم قبل الغين ( ولم تحل لأحد
قبلي)
لأن منهم من لم يؤذن له في الجهاد أصلاً، فلم يكن له مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن
كانت الغنيمة حرامًا عليهم بل تجيء نار تحرقها.
( وأعطيت الشفاعة) العظمى أو لخروج من في قلبه

مثقال ذرة من إيمان أو التي لأهل الصغائر والكبائر أو من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، أو لرفع
الدرجات في الجنة، أو في إدخال قوم الجنة بلا حساب، ( وكان النبي) غيري ( يبعث إلى قومه)
المبعوث إليهم ( خاصة وبعثت إلى الناس عامة) قومي وغيرهم من العرب والعجم والأسود والأحمر
وفي رواية أبي هريرة عند مسلم: وأرسلت إلى الخلق كافة وهي أصرح الروايات وأشملها وهي

مؤيدة لمن ذهب إلى إرساله عليه الصلاة والسلام إلى الملائكة كظاهر آية الفرقان ليكون للعالمين نذيرًا.

ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وواسطي وبغدادي وكوفي، وفيه التحديث والتحويل
من سند إلى آخر، وأخرجه أيضًا في الصلاة ببعضه وكذا مسلم والنسائي في الطهارة والصلاة.