فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة

باب التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ، إِذَا لَمْ يَجِدِ

الْمَاءَ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلاَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ.
.

     وَقَالَ 
الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلاَ يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ يَتَيَمَّمُ
وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ الْعَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ.

( باب) حكم ( التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء) أصلاً أو كان موجودًا لكنه لا يقدر على تحصيله
كما إذا وجده في بئر وليس عنده آلة الاستقاء أو حال بينه وبينه عدو أو سبع ( وخاف) وللأصيلي
فخاف ( فوت) وقت ( الصلاة) تيمم ( وبه) أي بتيمم الحاضر الخائف فوت الوقت عند فقد الماء ( قال
عطاء)
هو ابن أبي رباح فيما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه، وبه قال الشافعي لكن مع القضاء لندرة
فقد الماء في الحضر بخلاف السفر.
وفي شرح الطحاوي من الحنفية: التيمم في الحضر لا يجوز إلا
في ثلاث: إذا خاف فوت الجنازة إن توضأ، أو فوت صلاة العيد، أو خاف الجنب من البرد بسبب
الاغتسال.


( وقال الحسن) البصري مما وصله القاضي إسماعيل في الأحكام من وجه صحيح ( في المريض
عنده الماء ولا يجد من يناوله)
الماء ويعينه على استعماله ( يتيمم) ، بل عند الشافعية يتيمم إذا خاف من
الماء محذورًا وإن وجد معينًا ولا يجب عليه القضاء، وفي رواية تيمم بصيغة الماضي.

( وأقبل ابن عمر) بن الخطاب ومعه نافع مما وصله في الموطأ ( من أرضه بالجر) بضم الجيم
والراء وقد تسكن ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض، والمراد به هنا موضع قريب من المدينة على ثلاثة
أميال منها إلى جهة الشام.
وقال ابن إسحاق: على فرسخ كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو
( فحضرت العصر) أي صلاتها ( بمربد النعم) بفتح الميم كما في الفرع.
ورواه السفاقسي والجمهور
على كسرها، وهو الموافق للغة وبسكون الراء وفتح الموحدة آخره مهملة موضع تحبس فيه الإبل
والغنم وهو هنا على ميلين من المدينة، ( فصلى) أي بعد أن تيمم كما في رواية مالك وغيره،
وللشافعي ثم صلى العصر ( ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة) عن الأفق، ( فلم يعد) أي الصلاة.

وهذا يدل على أن ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر لأن السفر القصير في حكم الحضر،
وظاهره أن ابن عمر لم يراعِ خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعة، لكن يحتمل أنه ظن أنه
لا يصل إلا بعد الغروب أو تيمم لا عن حدث، وإنما أراد تجديد الوضوء فلم يجد الماء، فاقتصر على
التيمم بدل الوضوء.
وقد ذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر، وأوجبها
الشافعي لندور ذلك: وعن أبي يوسف وزفر: لا يصلي إلا أن يجد الماء ولو خرج الوقت.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الترجمة وهذا؟ أجيب: من كونه تيمم في الحضر لأن السفر
القصير في حكم الحضر كما مرّ وإن كان المؤلف لم يذكر التيمم، لكن قال العيني: الظاهر أن حذفه
من الناسخ واستمر الأمر عليه.


[ قــ :334 ... غــ : 337 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ.

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبة لجده لشهرته به
المخزومي المصري ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي
المصري، وفي رواية الإسماعيلي.
حدّثني جعفر ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني، ولابن
عساكر كما في الفرع عن حميد الأعرج وهو ابن قيس المكي أبو صفوان القاري من السادسة، توفي
سنة ثلاثين أو بعدها ( قال) :

( سمعت عميرًا) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله الهاشمي ( مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا
وعبد الله بن يسار)
بفتح المثناة التحتية والسين المهملة ( مولى ميمونة زوج النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حتى دخلنا على
أبي جهيم بن الحارث)
بالمثلثة، وجهيم بضم الجيم وفتح الهاء بالتصغير عبد الله ( ابن الصمة) بكسر

الصاد المهملة وتشديد الميم ابن عمرو بن عتيك الخزرجي ( الأنصاري، فقال أبو جهيم) وللأصيلي
وأبي الوقت أبو الجهيم ولابن عساكر فقال الأنصاري: ( أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نحو بئر جمل) بالجيم
والميم المفتوحتين موضع بقرب المدينة أي من جهة الموضع الذي يعرف ببئر الجمل، ( فلقيه رجل) هو
أبو الجهيم الراوي كما صرّح به الشافعي في روايته، ( فسلم عليه فلم يردّ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحركات
الثلاث في دال يرد الكسر لأنه الأصل والفتح لأنه أخف، وهو الذي في الفرع وغيره والضم لاتباع
الراء ( حتى أقبل على الجدار) الذي هناك وكان مباحًا فحتّه بعصًا ثم ضرب يده على الحائط ( فمسح
بوجهه ويديه)
وللأصيلي وأبي الوقت: وبيديه بزيادة الموحدة، وللدارقطني وغيره ومسح وجهه
وذراعيه، ( ثم ردَّ عليه) أي على الرجل ( السلام) زاد في رواية الطبراني في الأوسط، وقال: إنه لم
يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت على غير طهر أي أنه كره أن يذكر الله على غير طهارة.
قال ابن
الجوزي: لأن السلام من أسماء الله تعالى لكنه منسوخ بآية الوضوء، أو بحديث عائشة كان عليه
الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحيانه، قال النووي: والحديث محمول على أنه عليه السلام كان
عادمًا للماء حال التيمم لامتناع التيمم مع القدرة سواء كان لفرض أو نفل.
قال في الفتح: وهو
مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب
وهو إرادة ذكر الله فلم يرد به استباحة الصلاة.

وأجيب: بأنه لما تيمم في الحضر لردّ السلام مع جوازه بدون الطهارة، فمن خشي فوات
الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى، واستدل به على جواز التيمم على الحجر لأن حيطان
المدينة مبنية بحجارة سود.

وأجيب: بأن الغالب وجود الغبار على الجدار، ولا سيما وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام
حتّ الجدار بالعصا ثم تيمم كما في رواية الشافعي، فيحمل المطلق على المقيد.

ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مدنيين ومصريين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم
وأبو داود والنسائي في الطهارة.