فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء

باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ.
.

     وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا.

هذا ( باب) بالتنوين ( الصعيد الطيب) مبتدأ وصفته والخبر قوله ( وضوء المسلم يكفيه عن الماء)
أي يغنيه عند عدمه حقيقة أو حكمًا، وقد روى أصحاب السنن نحوه مع زيادة وإن لم يجد الماء عشر
سنين، وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني.

( وقال الحسن) البصري مما هو موصول عند عبد الرزاق بنحوه ( يجزئه) بضم المثناة التحتية
مهموزًا أي يكفيه ( التيمم ما لم يحدث) أي مدّة عدم الحدث، وهو عند سعيد بن منصور بلفظ:

التيمم بمنزلة الوضوء إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث، وفي مصنف حماد بن سلمة عن
يونس عن عبيد عن الحسن قال: يصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث وهو
مذهب الحنفية لترتبه على الوضوء فله حكمه.
وقال الأئمة الثلاثة: لا يصلي إلا فرضًا واحدًا لأنه
طهارة ضرورة بخلاف الوضوء، وقد صح فيما قاله البيهقي عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة.

قال: ولا نعلم له مخالفًا من الصحابة.
نعم روى ابن المنذر عن ابن عباس أنه لا يجب والنذر
كالفرض، والأصح صحة جنائز مع فرض لشبه صلاة الجنازة بالنفل في جواز الترك وتعينها عند
انفراد المكلف عارض، وقد أبيح عند الجمهور بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة إلا أن مالكًا
اشترط تقدم الفريضة.

( وأُمّ ابن عباس) رضي الله عنهما ( وهو متيمم) من كان متوضئًا وهذا وصله البيهقي وابن أبي
شيبة بإسناد صحيح وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور خلافًا للأوزاعي.
قال:
لضعف طهارته.
نعم لا تصح ممن تلزمه الإعادة كمقيم تيمم لعدم الماء عند الشافعية.

( وقال يحيى بن سعيد) الأنصاري: ( لا بأس بالصلاة على السبخة) بالمهملة والموحدة والخاء
المعجمة المفتوحات الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت ( و) كذا ( التيمم بها) احتج ابن خزيمة لذلك
بحديث عائشة رضي الله عنها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت دار هجرتكم سبخة ذات نخل" يعني المدينة قال:
وقد سمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة طيبة، فدل على أن السبخة داخلة في الطيب ولم يخالف في ذلك إلا
إسحاق بن راهويه.


[ قــ :340 ... غــ : 344 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ - ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ «لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا».
فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ،
فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ «مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ».
قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ.
قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ».
ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلاَنًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ».
فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالاَ لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا.
قَالاَ لَهَا انْطَلِقِي إِذًا.
قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالاَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَتِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي.
فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ - أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا.
فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ».
وَهْيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اجْمَعُوا لَهَا».
فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا».
فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ.
.

     وَقَالَتْ  بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ.
[الحديث 344 - طرفاه في: 348، 3571] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) ولأبي ذر كما في الفتح مسدد بن مسرهد ( قال: حدّثني) بالإفراد
وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا ( يحيى بن سعيد) القطان ( قال: حدّثنا عوف) بالفاء هو الأعرابي ( قال:
حدّثنا أبو رجاء)
بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام والحاء
المهملة العطاردي، أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره، وأسلم بعد الفتح، وتوفي سنة بضع ومائة ( عن
عمران)
بن حصين الخزاعي قاضي البصرة، قال أبو عمر: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول

عنه أهل البصرة أنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى، وتوفي سنة اثنتين وخمسين، وله
في البخاري اثنا عشر حديثًا ( قال) :
( كنا في سفر) أي عند رجوعهم من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما رواه أبو داود أو
في طريق مكة كما في الموطأ من حديث زيد بن أسلم مرسلاً أو بطريق تبوك كما رواه عبد الرزاق
مرسلاً ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنا أسرينا) .
قال الجوهري: تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلاً
( حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة) أي نمنا نومة ( ولا وقعة أحلى عند المسافر منها) أي من
الوقعة في آخر الليل، وكلمة لا النفي الجن ووقعة اسمها وأحلى صفة للوقعة وخبر لا محذوف أو

أحلى الخبر ( فما) ولابن عساكر وما ( أيقظنا) من نومنا ( إلا حرّ الشمس وكان) ولأبي ذر والأصيلي
فكان ( أوّل من استيقظ فلان) اسم كان وأوّل بالنصب خبرها مقدمًا، أو فلان بدل من أوّل على أنه
اسم كان التامة بمعنى وجد المستغنية عن الخبر، وقول الزركشي: ومن نكرة موصوفة فيكون أوّل
أيضًا نكرة لإضافته إلى النكرة أي أوّل رجل استيقظ تعقبه البدر الدماميني بأنه لا يتعين لجواز كونها
موصولة أي: وكان أوّل الذين استيقظوا وأعاد الضمير بالإفراد رعاية للفظ من اهـ.

وفلان المستيقظ أوّلاً هو أبو بكر الصديق ( ثم فلان) يحتمل أن يكون عمران الراوي لأن ظاهر
سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه، قال في المصابيح: والأولى أن يجعل هذا
من عطف الجمل أي ثم استيقظ فلان إذ ترتبهم في الاستيقاظ يدفع اجتماعهم جميعهم في الأوّلية،
ولا يمتنع أن يكون من عطف المفردات ويكون الاجتماع في الأوّلية باعتبار البعض لا الكل أي أن
جماعة استيقظوا على الترتيب وسبقوا غيرهم في الاستيقاظ، لكن هذا لا يتأق على رأي الزركشي لأنه
قال: أي أوّل رجل فإذا جعل هذا من قبيل عطف المفردات لازم الإخبار عن جماعة بأنهم أول رجل
استيقظ وهو باطل، ( ثم فلان) يحتمل أيضًا أن يكون من شارك عمران في رؤية هذه القصة المعينة
وهو ذو مخبر كما في الطبراني ( يسميهم) أي المستيقظين ( أبو رجاء) العطاردي ( فنسي عوف) أي
الأعرابي ( ثم عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( الرابع) بالرفع صفة لعمر المرفوع عطفًا على ثم فلان
أو بالنصب خبر كان.
أي ثم كان عمر بن الخطاب الرابع من المستيقظين وأيقظ الناس بعضهم
بعضًا، ( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نام لم يوقظ) بضم المثناة التحتية وفتح القاف مبنيًّا للمفعول مع الإفراد،
وللأربعة لم نوقظه بنون المتكلم وكسر القاف، والضمير المنصوب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حتى يكون هو يستيقظ
لأنّا لا ندري ما يحدث له)
بفتح المثناة وضم الدال من الحدوث ( في نومه) أي من الوحي وكانوا
يخافون انقطاعه بالإيقاظ، ( فلما استيقظ عمر) رضي الله عنه ( ورأى ما أصاب الناس) من نومهم عن
صلاة الصبح حتى خرج وقتها وهم على غير ماء، وجواب لما محذوف تقدير فلما استيقظ كبّر،
( وكان) أيما عمر ( رجلاً جليدًا) بفتح الجيم وكسر اللام من الجلادة وهي الصلابة ( فكبّر ورفع صوته
بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته)
بالموحدة أي بسبب صوته،
وللأربعة لصوته باللام أي لأجل صوته ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما استعمل التكبير لسلوك طريق الأدب

والجمع بين المصلحتين: إحداهما الذكر والأخرى الاستيقاظ، وخصّ التكبير لأنه الأصل في الدعاء
إلى الصلاة، واستشكل هذا مع قوله عليه الصلاة والسلام "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي".
- وأجيب:
بأن القلب إنما يدرك الحسيات اتعلقة به كالألم ونحوه، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة
والقلب يقظان.
( فلما استيقظ) عليه الصلاة والسلام ( شكوا إليه الذي أصابهم) مما ذكر ( قال) ولابن
عساكر فقال بالفاء تأنيسًا لقلوبهم لما عرض لها من الأسف على خروج الصلاة عن وقتها ( لا ضير أو
لا يضير)
أي لا ضرر يقال: ضاره يضوره ويضيره والشك من عوف كما صرّح به البيهقي ( ارتحلوا)
بصيغة أمر للجماعة المخاطبين من الصحابة.
( فارتحل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ولأبي ذر وابن عساكر
فارتحلوا أي عقب أمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وكان السبب في الارتحال من ذلك الوضع
حضور الشيطان فيه كما في مسلم ( فسار) عليه الصلاة والسلام ومن معه ( غير بعيد: ثم نزل) بمن
معه ( فدعا بالوضوء) بفتح الواو ( فتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ( ونودي بالصلاة) أي أذن بها كما عند مسلم
والمؤلف في آخر المواقيت، ( فصلى بالناس فلما انفتل) أي انصرف ( من صلاته إذا هو برجل) لم يسم
أو هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة لكن وهموا قائله ( معتزل) أي منفرد عن الناس
( لم يصل مع القوم.
قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال)
يا رسول الله ( أصابتني جنابة
ولا ماء)
أي موجود بالكلية وماء بفتح الهمزة، وقول ابن حجر أي معي.
تعقبه العيني بأن كلمة لا
لنفي جنس الماء وعدم الماء معه لا يستلزم عدمه عند غيره، فحينئذ لا يستقيم نفي جنس الماء،
ويحتمل أن تكون لا هنا بمعنى ليس فيرتفع الماء حينئذ، ويكون المعنى ليس ماء عندي، وقال ابن
دقيق العين: حذف الخبر في قوله: ولا ماء أي موجود عندي، وفي حذف الخبر بسط لعذره لما فيه

من عموم النفي كأنه نفى وجود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسبب أو سعي أو غير ذلك لحصله فإذا
نفى وجوده مطلقًا كان أبلغ في النفي وأعذر له.
( قال) عليه الصلاة والسلام ( عليك بالصعيد)
المذكور في الآية الكريمة ( فتيمموا صعيدًا طيبًا) وفي رواية سلم بن زرير عند مسلم فأمره أن يتيمم
بالصعيد ( فإنه يكفيك) لإباحة صلاة الفرض الواحد مع النوافل أو للصلاة مطلقًا ما لم تحدث، ( ثم
سار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشتكى إليه)
وإلى الله صلاته وسلامه عليه ( الناس من العطش فنزل) عليه الصلاة
والسلام ( فدعا فلانًا) هو عمران بن حصين كما دلّ عليه رواية سلم بن زرير عند مسلم ( كان يسمّيه
أبو رجاء)
العطاردي ( نسيه) ولابن عساكر ونسيه ( عوف) الأعراي ( ودعا عليًّا) هو ابن أبي طالب
( فقال) عليه الصلاة والسلام لهما: ( اذهبا فابتغيا) بالمثناة الفوقية بعد الموحدة من الابتغاء، وللأصيلي
فابغيا وهو من الثلاثي وهمزته همزة وصل أي فاطلبا ( الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين) تثنية مزادة
بفتح الميم والزاي الرواية أو القربة الكبيرة، وسميت بذلك لأنه يزاد فيها جلدًا آخر من غيرها ( أو)
بين ( سطيحتين) تثنية سطيحة بفتح السين وكسر الطاء المهملتين بمعنى المزادة أو وعاء من جلدين
سطح أحدهما على الآخر، والشك من الراوي وهو عوف ( من ماء على بعير لها) سقط من ماء عند
ابن عساكر ( فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس) بالبناء على الكسر عند الحجازيين ويعرب
غير منصرف للعلمية والعدل عند تيمم فتفتح سينه إذا كان ظرفًا، ويحتمل أن يكون عهدي مبتدأ

وبالماء متعلق به وأمس ظرف له.
وقوله: ( هذه الساعة) بدل من أمس بدل بعض من كل أي: مثل
هذه الساعة، والخبر محذوف أي حاصل ونحوه أو هذه الساعة ظرف، قال ابن مالك: أصله في مثل
هذه الساعة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجوّز أبو البقاء أن يكون أمس خبر عهدي
لأن المصدر يخبر عنه بظرف الزمان، وعلى هذا تضم سين أمس على لغة تيمم.
وجوّز في المصابيح
أن يكون بالماء خبر عهدي وأمس ظرف لعامل هذا الخبر أي عهدي متلبس بالماء في أمس، ولم يجعل
الظرف متعلقًا بعهدي كما مرّ قال: لأني جعلت بالماء خبرًا، فلو علّق الظرف بالعهد مع كونه مصدرًا
لزم الإخبار عن المصدر قبل استكمال معمولاته وهذا باطل اهـ.

( ونفرنا) أي رجالنا ( خلوفَا) بضم الخاء المعجمة واللام المخففة والنصب كما في رواية المستملي
والحموي على الحال السادّة مسدّ الخبر قاله الزركشي والبدر الدماميني وابن حجر أي متروكون خلوفَا
مثل ( ونحن عصبة) [يوسف: 8] بالنمب، وتعقبه العيني فقال: ما الخبر هنا حتى يسدّ الحال
مسدّه.
قال: والأوجه ما قاله الكرماني إنه منصوب بكان المقدّرة، وللأصيلي خلوف بالرفع خبر
المبتدأ أي غيب، أو خرج رجالهم للاستقاء وخلفوا النساء أو غابوا وخلفوهن.
( قالا لها: انطلقي
إذا قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: الذي يقال له الصابئ)
بالهمزة من صبأ أي
خرج من دين إلى آخر، ويروى بتسهيله ياء من صبا يصبي أي المائل.
( قالا: هو الذي تعنين) أي
تريدين وفيه تخلص حسن لأنهما لو قالا: لا لفات المقصود، ولو قالا: نعم لكان فيه تقرير لكونه
عليه الصلاة والسلام صائبًا، فتخلصا بهذا اللفظ وأشار إلى ذاته الشريفة لا إلى تسميتها ( فانطلقي)
معنا إليه ( فجاءا) أي عليّ وعمران ( بها إلى النبي) ولأبوي ذر والوقت إلى رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحدّثاه
الحديث)
الذي كان بينهما وبينها، ( قال) عمران بن الحصين ( فاستنزلوها عن بعيرها) أي طلبوا منها
النزول عنه وجمع باعتبار غليّ وعمران ومن تبعهما ممن يعينهما، ( ودعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن أحضروها بين
يديه ( بإناء ففرّغ فيه) عليه الصلاة والسلام من التفريغ، وللكشميهني فأفرغ من الإفراغ ( من أفواه
المزادتين)
جمع في موضع التثنية على حد ( فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] ( أو السطيحتين) أي أفرغ
من أفواههما والشك من الراوي ( وأوكأ) أي ربط ( أفواههما وأطلق) أي فتح ( العزالي) بفتح المهلمة
والزاي وكسر اللام، ويجوز فتحها وفتح الياء جمع عزلاء بإسكان الزاي والمدّ أي فم المزادتين الأسفل
وهي عروتها التي يخرج منها الماء بسعة، ولكل مزادة عزلاً وإن من أسفلها، ( ونودي في الناس
اسقوا)
بهمزة وصل من سقى فتكسر أو قطع من أسقى فتفتح أي اسقوا غيرهم كالدواب، ( واستقوا
فسقى من سقى)
ولابن عساكر فسقى من شاء، ( واستقى من شاء) فرق بينه وبين سقى لأنه لنفسه

وسقى لغيره من ماشية ونحوه، واستقى قيل بمعنى سقى، وقيل إنما يقال سقيته لنفسه واستقيته
لماشيته، ( وكان آخر ذلك) بنصب آخر خبر كان مقدمًا والتالي اسمها وهو قوله ( أن) مصدرية ( أعطى
الذي أصابته الجنابة)
وكان معتزلاً ( إناء من ماء) ويجوز رفع آخر على أنّ أن أعطى الخبر، قال أبو
البقاء: والأوّل أقوى لأن أن والفعل أعرف من انفعل المفرد، وقد قرئ فما كان جواب قومه إلا أن
قالوا بالوجهين ( قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للذي أصابته الجنابة: ( اذهب فأفرغه عليك) بهمزة القطع فأفرغه

( وهي) أي والحال أن المرأة ( قائمة تنظر إلى ما يفعل) بالبناء للمجهول ( بمائها) قيل: إنما أخذوها
واستجازوا أخذ مائها لأنها كنت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح
للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب،
( وايم الله) بوصل الهمزة والرفع مبتدأ خبره محذوف أي قسمي ( لقد أقلع) بضم الهمزة أي كف
( عنها وأنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاءة) بكسر الميم وسكون اللام وبعدها همزة ثم تاء تأنيث أي امتلاء
( منها حين ابتدأ فيها) وهذا من أعظم آياته وباهر دلائل نبوّته حيث توضؤوا وشربوا وسقوا واغتسل
الجنب، بل في رواية سلم بن زرير أنهم ملؤوا كل قربة كانت معهم مما سقط من الغزالي، وبقيت
المزادتان مملوءتين بل تخيل الصحابة أن ماء هنا أكثر مما كان أولاً ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأصحابه: ( اجمعوا
لها)
لعله تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها وما نالها من مخافتها
أخذ مائها لا أنه عوض عما أخذ من الماء، ( فجمعوا لها من بين) وفي رواية ما بين ( عجوة) تمر
أجود تمر المدينة ( ودقيقة وسويقة) بفتح أوّلهما، ولكريمة ودقيقة وسويقة بضمها مصغرين ( حتى
جمعوا لها طعامًا)
زاد أحمد في روايته كثيرًا، والطعام في اللغة ما يؤكل، قال الجوهري: وربما خص
الطعام بالبرّ ( فجعلوه) أي الذي جمعوه ولأبي ذر فجعلوها أي الأنواع المجموعة ( في ثوب وحملوها)
أي المرأة ( على بعيرها ووضعوا الثوب) بما فيه ( بين يديها) أي قدّامها على البعير ( قال لها) رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي قالوا لها أي الصحابة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( تعلمين) بفتح التاء وسكون العين وتخفيف اللام
أي اعلمي ( ما رزئنا) بفتح الراء وكسر الزاي وقد تفتح وبعدها همزة ساكنة أي ما نقصنا ( من مائك
شيئًا)
أي فجميع ما أخذناه من الماء مما زاده الله وأوجده، ويؤيده قوله: ( ولكن الله هو الذي أسقانا)
بالهمزة ولأبي عساكر سقانا، ( فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا) أي أهلها ولأبوي ذر والوقت
فقالوا ( ما) وللأصيلي فقالوا لها: ما ( حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب) أي حبسني العجب ( لقيني
رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي)
ولأبي ذر إلى هذا الرجل الذي ( يقال له الصابئ ففعل كذا وكذا،
فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه)
عبّر بمن البيانية، وكان الناسب التعبير بفي بدل من على
أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض، ( وقالت) أي أشارت ( بإصبعيها الوسطى والسبابة) لأنه
يشار بهما عند المخاصمة والسب وهي السبحة لأنها يشار بها إلى التوحيد والتنزيه ( فرفعتهما إلى
السماء تعني)
المرأة ( السماء والأرض أو إنه لرسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حقًا) هذا منها ليس بإيمان للشك
لكنها أخذت في النظر فأعقبها الحق فآمنت بعد ذلك، ( فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون)
وللأصيلي بعد يغيرون بضم الياء من أغار.
ويجوز فتحها من غار وهو قليل ( على من حولها من
المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه)
بكسر الصاد وسكون الراء النفر ينزلون بأهليهم على الماء
أو أبيات من الناس مجتمعة، وإنما لم يغيروا عليهم وهم كفرة للطمع في إسلامهم بسببها أو لرعاية
ذمامها، ( فقالت) أي المرأة ( يومًا لقومها: ما أرى) بفتح الهمزة بمعنى أعلم أي الذي أعتقد ( أن
هؤلاء القوم)
بفتح همزة أن مع تشديد النون ( يدعونكم) بفتح الدال من الإغارة ( عمدًا) لا جهلاً ولا
نسيانًا ولا خوفًا منكم، بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وفي رواية الأكثرين: ما أرى هؤلاء بفتح

همزة أرى وإسقاط أن، والأول رواية أبي ذر ولابن عساكر: ما أرى بضم الهمزة أي أظن أن هؤلاء
بكسر الهمزة كذا في الفرع، وللأصيلي وابن عساكر ما أدري أن بالدال بعد الألف وأن بفتح الهمزة
والتشديد وهي في موضع المفعول، والمعنى ما أدري ترك هؤلاء إياكم عمدًا لماذا هو؟ وقال أبو

البقاء: الجيد أن يكون أن هؤلاء بالكسر على الإهمال والاستئناف، ولا بفتح على إعمال أدري فيه
لأنها قد عملت بطريق الظاهر، ولكون مفعول أدري محذوفًا، والمعنى ما أدري لماذا تمتنعون من
الإسلام أن المسلمين تركوا الإغارة عليكم عمدًا مع القدرة ( فهل لكم) رغبة ( في الإسلام؟ فأطاعوها
فدخلوا في الإسلام)
.

ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف أيضًا في
علامات النبوّة ومسلم في الصلاة، وزاد في رواية المستملي هنا مما ليس في الفرع.

( قال أبو عبد الله) أي المؤلف في تفسير ( صبأ) أي ( خرج من دين إلى غيره) .

( وقال أبو العالية) : رفيع بن مهران الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره: ( الصابئين)
هم ( فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور) .

وقال البيضاوي: والصابين قوم بين النصارى والمجوس، وقيل أصل دينهم دين نوح، وقيل:
هم عبدة الملائكة، وقيل: عبدة الكواكب، وأورده المؤلف هنا ليبيّن الفرق بين الصابئ المروي في
الحديث، والصابئ المنسوب لهذه الطائفة.