فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش، تيمم

باب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى
نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ، تَيَمَّمَ
وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلاَ ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّف.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا خاف الجنب على نفسه المرض) المتلف وغيره كزيادته أو نحو ذلك
كشين فاحش في عضو طاهر، ( أو الموت) من استعماله الماء، ( أو خاف العطش) لحيوان محترم من
نفسه أو رفيقه ولو في المستقبل ( تيمم) وللأصيلي وابن عساكر يتيمم أي مع وجود الماء.

( ويذكر) مما وصله الدارقطني ( أن عمرو بن العاصي) بن وائل بن هشام القرشي السهمي أمير
مصر أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان، وكان لا يرفع طرفه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياء منه، وله في
البخاريّ ثلاثة أحاديث رضي الله عنه ( أجنب في ليلة باردة) في غزوة ذات السلاسل ( فتيمم) وصلى
بأصحابه الصبح ( وتلا) بالواو وللأصيلي فتلا: ( ولا تقتلوا أنفسكم) أي بإلقائها إلى التهلكة { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ( فذكر) بضم الذال ( للنبيّ) وللأصيلي فذكر ذلك أي عمرو

للنبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يعنف) أي عمرًا وحذف المفعول للعلم به، قال الحافظ ابن حجر وللكشميهني فلم-
يعنفه بضمير المفعول، وعزاها في الفرع لابن عساكر أي لم يلمه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدم التعنيف
تقرير، فيكون حجة على تيمم الجنب، وقد روى هذا التعليق أيضًا أبو داود والحاكم، لكن من غير
ذكر التيمم.
نعم ذكر أبو داود أن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها فتيمم،
وعلقه المؤلف بصيغة التمريض لكونه اختصره، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن
عمرو ولم يذكر التيمم ولم يقل عمرو الآية وهو جنب وإن أوهمه ظاهر السياق، وإنما تلاها بعد
رجوعه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يدل عليه سياق حديث أبي داود، ولفظه: فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يا عمرو
صليت بأصحابك وأنت جنب"؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول
( ولا تقتلوا أنفسكم) الآية.

وفي الحديث جواز صلاة المتيمم بالمتوضئ لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك.


[ قــ :341 ... غــ : 345 ]
- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ غُنْدَرٌ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لاَ يُصَلِّي.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا، كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا - يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى - قَالَ.

قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.

وبالسند قال: ( حدّثنا بشر بن خالد) العسكري الفرائضي ( قال: حدّثنا محمد) أي ابن جعفر
البصري ( هو غندر) وسقط ذلك عند الأصيلي ( عن شعبة) بن الحجاج، وللأصيلي حدّثنا، ولابن
عساكر أخبرنا شعبة ( عن سليمان) الأعمش ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( قال) :
( قال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( لعبد الله بن مسعود) رضي الله عنهما ( إذا لم
يجد)
الجنب ( الماء لا يصلي) كذا لكريمة بصيغة الغائب يجد ويصلي فيهما وللأصيلي وغيره: إذا لم

تجد الماء لا تصلي بالخطاب فيهما فأبو موسى يخاطب عبد الله، ( قال عبد الله) بن مسعود زاد في
رواية ابن عساكر نعم، أي لا يصلي ( لو رخصت لهم في هذا) أي في جواز التيمم للجنب ( كان)
ولابن عساكر: وكان ( إذا وجد أحدهم البرد قال هكذا) قال أبو موسى مفسرًا قول ابن مسعود ( يعني
تيمم وصلى قال)
أبو موسى ( قلت فأين قول عمار) بن ياسر ( لعمر) بن الخطاب رضي الله عنه أي
قوله السابق كنا في سفر فأجنبت فتمعكت الخ ( قال) أي ابن مسعود رضي الله عنه ( إني) وفي رواية
فإني ( لم أر عمر قنع) بكسر النون ( بقول عمار) بن ياسر، وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لأنه كان
حاضرًا معه في تلك السفرة ولم يذكر القصة فارتاب ذلك.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة
والقول.




[ قــ :34 ... غــ : 346 - 346 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ

فَلَمْ يَجِدْ، مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ.
فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كَانَ يَكْفِيكَ» قَالَ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِك؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ؟ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ.
فَقَالَ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ.
فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا قَالَ نَعَمْ.
[الحديث 346 - أطرافه في: 338، 339، 340، 341، 34، 343، 345، 347] .

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين ( قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث ( عن
الأعمش)
سليمان بن مهران ولغير أبوي ذر والوقت حدّثنا الأعمش ( قال: سمعت شقيق بن سلمة)
هو أبو وائل ( قال) :
( كنت عند عبد الله) بن مسعود ( وأبي موسى) الأشعري رضي الله عنهما ( فقال له) أي لابن
مسعود ( أبو موسى: أرأيت) أي أخبرني ( يا أبا عبد الرحمن) هي كنية ابن مسعود ( إذا أجنب) الرجل
( فلم يجد ماء كيف يصنع) ؟ ولابن عساكر: فلم يجد الماء، وفي رواية: إذا أجنبت فلم تجد الماء كيف
تصنع بتاء الخطاب في الثلاثة؟ ( فقال عبد الله: لا يصلي حتى) أي لا يصلي الرجل إلى أن ( يجد
الماء)
، وللأصيلي حتى تجد بتاء الخطاب وسقط عنده، وابن عساكر لفظة الماء فاقتصرا على حتى تجد
( فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يكفيك) أي مسح الوجه
والكفّين؟ ( قال) ابن مسعود: ( ألم تر عمر لم يقنع بذلك) زاد في رواية أبي ذر عن المستملي والأصيلي
وابن عساكر منه أي من عمار ( فقال أبو موسى) له ( فدعنا) أي اتركنا ( من قول عمار) واقطع النظر
عنه، ( كيف تصنع بهذه الآية) أي قوله تعالى: ( فلم يجدوا ماء فتيمموا) فانتقل في المحاجّة من دليل
إلى آخر مما فيه الخلاف إلى ما عليه الاتفاق تعجيلاً لقطع خصمه وإفحامه، ( فما درى) أي فلم يعرف
( عبد الله) بن مسعود ( ما يقول) في توجيه الآية على وفق فتواه، واستشكل ما ذهب إليه ابن مسعود
كعمر رضي الله عنهما من إبطال هذه الرخصة مع ما فيها من إسقاط الصلاة عمن خوطب بها وهو
مأمور بها، وأجيب: بأنهما إنما تأوّلا الملامسة في الآية، وهي قوله تعالى ( أو لامستم النساء)
[المائدة: 6] على مماسة البشرتين من غير جماع، إذ لو أراد الجماع لكان فيه مخالفة الآية صريحة لأنه
تعالى قال: ( وإن كنتم جنبًا فاطهروا) أي اغتسلوا ثم قال: ( أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء
فتيمموا)
فجعل التيمم به بدلاً عن الوضوء، فلا يدل على جواز التيمم للجنب، ولعل مجلس
المناظرة بين أبي موسى وابن مسعود ما كان يقتضي تطويل المناظرة، وإلاّ فكان لابن مسعود أن يجيب
أبا موسى بأن الملامسة في الآية المراد بها تلاقي البشرتين بلا جماع كما مرّ والحاصل أن عمر وابن
مسعود رضي الله عنهما لا يريان تيمم الجنب لآية ( وإن كنتم جنبًا فاطهروا) وآية ( ولا جنبًا إلا
عابري سبيل حتى تغتسلوا)
[النساء: 43] ( فقال) أي ابن مسعود ( إنّا لو رخصنا لهم في هذا) أي
في التيمم للجنب ( لأوشك) بفتح الهمزة أي قرب وأسرع ( إذا برد على أحدهم الماء) بفتح الراء
وضمها كذا ضبطه في الفرع كأصله، لكن قال الجوهري الفتح أشهر ( أن يدعه ويتيمم) .
قال

الأعمش: ( فقلت لشقيق) أبي وائل ( فإنما كره عبد الله) بن مسعود التيمم للجنب ( لهذا) أي لأجل
احتمال أن يتيمم للبرد ( قال) شقيق ولأبوي ذر والوقت فقال: ( نعم) كرهه لذلك.