فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التسمية على الطعام والأكل باليمين

باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ
( باب) استحباب ( التسمية على الطعام) عند ابتداء الأكل ولو من جنب وحائض ( و) استحباب ( الأكل باليمين) وهذه الجملة مشطوب عليها بالحمرة في الفرع كأصله.


[ قــ :5084 ... غــ : 5376 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( أخبرنا سفيان) بن عيينة ( قال الوليد بن كثير) بالمثلثة المخزومي القرشي المدني ( أخبرني) بالإفراد وهو من تأخير الصيغة عن الراوي وعند أبي نعيم في مستخرجه والحميدي في مسنده عن سفيان قال: حدّثنا الوليد بن كثير ( أنه سمع وهب بن كيسان) بفتح الكاف ( أنه سمع عمر بن أبي سلمة) بضم العين ابن عبد الأسد واسم أبي سلمة عبد الله ( يقول: كنت غلامًا) دون البلوغ ( في حجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء وسكون الجيم في تربيته وتحت نظره.
وقال في القاموس: الحجر مثلثة المنع وحضن الإنسان ونشأ في حجره وحجره أي في حفظه وستره، وقد كان عمر هذا ابن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وكانت يدي تطيش) بالطاء المهملة والشين المعجمة أي تتحرك وتمتد ( في) نواحي ( الصحفة) ولا تقتصر على موضع واحد وكان الظاهر كما قال في شرح المشكاة أن يقال: وكنت أطيش بيدي في الصحفة فأسند الطيش إلى اليد مبالغة وأنه لم يكن يراعي أدب أكل ( فقال لي: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يا غلام سم الله) ندبًا طردًا للشيطان ومنعًا له من الأكل وهو سنة كفاية إذا أتى به البعض سقط عن الباقين كردّ السلام وتشميت العاطس لأن المقصود من منع الشيطان من الأكل يحصل بواحد.
نعم مع ذلك يستحب لكل واحد بناء ما عليه الجمهور من أن سنة الكفاية كفرضها مطلوبة من الكل لا من البعض فقط ويقاس بالأكل الشرب وأقله كما قال النووي: بسم الله وأفضله بسم الله الرحمن الرحيم، لكن قال في الفتح: أنه لم ير لما ادّعاه من الأفضلية دليلًا خاصًّا انتهى.

فإن تركه ولو عمدًا في أوّله قال في أثنائه: بسم الله أوّله وآخره كما في الوضوء ولو سمى مع كل لقمة فهو أحسن حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله فتسمية الله تعالى في أوّله وآخره ترياق وبركة لطعامه، وقال في الإحياء: أنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله، ومع الثانية بسم الله الرحمن: ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم، وتعقبه في الفتح بأنه لم ير لاستحباب ذلك دليلًا انتهى.

( وكل) ندبًا ( بيمينك) لأن الشيطان يأكل بالشمال ولشرف اليمين ولأنه أقوى في الغالب
وأمكن وهي مشتقة من اليمين فهي وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعًا ودينًا ويقاس عليه الشرب، ونص الشافعي في الرسالة والأم على الوجوب لورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلًا يأكل بشماله فقال: "كل بيمينك" قال لا أستطيع فقال "لا استطعت" فما رفعها إلى فيه بعد ( وكل مما يليك) لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مودّة لتقذر النفس لا سيما في الإمراق ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وسوء الأدب وأشباهها فإن كان تمرًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق، والذي ينبغي التعميم حملًا على عموم حتى يثبت دليل مخصص قال عمر بن أبي سلمة: ( فما زالت تلك طعمتي) بكسر الطاء أي صفة أكلى ( بعد) بالبناء على الضم أي استمر ذلك صنيعي في الأكل.