فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الخزيرة

باب الْخَزِيرَةِ.
.

     وَقَالَ  النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ
( باب الخزيرة) بالخاء المعجمة والزاي وبعد التحتية الساكنة راء.

( قال النضر) : بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها راء ابن شميل بضم المعجمة مصغرًا النحوي اللغوي المحدث ( الخزيرة) يعني بالمعجمة تتخذ ( من النخالة) أي من بلالتها وقال في القاموس: الخزير والخزيرة شبه عصيدة بلحم وبلا لحم عصيدة أو مرقة من بلالة النخالة ( والحريرة) يعني بالمهملات تتخذ ( من اللبن) قال في الفتح: وهذا الذي قاله النضر وافقه عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو المعروف ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدّة تصفيتها اهـ.
لكن قال في القاموس: الحريرة دقيق يطبخ بلبن أو دسم.


[ قــ :5109 ... غــ : 5401 ]
- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى.
فَقَالَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
قَالَ: عِتْبَانُ:
فَغَدَا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ»؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ! فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ، لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُلْ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: قُلْنَا فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ، فَصَدَّقَهُ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( يحيى بن بكير) بالموحدة المضمومة مصغرًا قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة ( الأنصاري أن عتبان بن مالك) بكسر العين ( وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا من الأنصار أنه أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إني أنكرت بصري) أي ضعف أو عمي ( وأنا أصلي لقومي) وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصري يكل، ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت أصابني في بصري بعض الشيء وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن عند المصنف في الصلاة في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن الزهري أنه كان يؤمّ قومه وهو أعمى وأنه قال: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا ضرير البصر.

نعم يحتمل أن يكون قوله ضرير البصر أي أصابني فيه ضرّ فهو كقوله: أنكرت بصري فتتفق الروايات، ويكون أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة.
وقال ابن عبد البر: كان ضرير البصر ثم عمي ويؤيده قوله في رواية أخرى وفي بصري بعض الشيء، ويقال للناقص ضرير البصر فإذا عمي أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر ( فإذا كانت الأمطار سال) الماء في ( الوادي) فهو من إطلاق المحل على الحال وللطبراني وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي ( الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم فوددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت ( يا رسول الله أنك تأتي فتصلي) بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني ( في) مكان من ( بيتي فأتخذه مصلى) موضعًا للصلاة برفع فأتخذه ونصبه كقوله: فتصلي ( فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( سأفعل) ذلك ( إن شاء الله) تعالى ( قال عتبان: فغدا عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- وسقط قوله عليّ من اليونينية ( حين ارتفع النهار) يوم السبت ( فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
الدخول إلى منزلي ( فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي فأذنت لهما وفي رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر ( فلم يجلس حتى دخل البيت) أي فلم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه لأنه لم يجلس إلا بعد أن صلى ( ثم قال لي: أين تحب أن أصلي من بيتك) ؟ قال عتبان: ( فأشرت) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( إلي ناحية من البيت فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكبّر فصففنا) وراءه ( فصلى ركعتين ثم سلّم وحبسناه على خزير) بالخاء المعجمة والزاي ( صنعناه) أي منعناه من الرجوع ليأكل من الخزير الذي صنعناه له ( فثاب) بالمثلثة أي جاء ( في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد) بعضهم في إثر بعض لما سمعوا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فاجتمعوا) الفاء للعطف ومن ثم لا يحسن تفسير ثاب باجتمعوا لأنه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف الأصل فالأوجه تفسيره بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ ( فقال قائل منهم) : لم يسمّ ( أين مالك بن الدخشن) ؟ بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين بعدها نون ( فقال بعضهم) قيل هو عتبان المذكور ( ذلك) باللام أي مالك بن الدخشن ( منافق لا يحب الله ورسوله قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقل) ذلك ( ألا تراه) بفتح التاء ( قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال: الله ورسوله أعلم.
قال: قلنا)
يا رسول الله ( فإنا نرى وجهه) أي توجهه ( ونصيحته إلى المنافقين) استشكل من حيث إنه يقال نصحت له لا إليه، وأجاب في الفتح بأن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بإلى وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فإن الله) تعالى ( حرّم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله) .

( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالإسناد السابق ( ثم سألت الحصين بن محمد) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ( الأنصاري أحد بني سالم وكان من سراتهم) بفتح السين والراء المخففة المهملتين أي خيارهم ( عن حديث محمود فصدقه) زاد في رواية بذلك أي بالحديث المذكور.
قال في الفتح: يحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث، وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطوّلًا ومختصرًا.