فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أكل الكلب

باب إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ.
وَقَولُهُ تَعَالَى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ اجْتَرَحُوا اكْتَسَبُوا { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- { سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ.
وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ.
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا أكل الكلب) أي من الصيد حرم أكله ولو كان الكلب معلمًا واستؤنف تعليمه كما في المجموع لفساد التعليم الأول من حينه لا من أصله.

( وقوله تعالى: { يسألونك} ) في السؤال معنى القول فلذا وقع بعده ( { ماذا أُحل لهم} ) كأنه قيل يقولون لك ماذا أحل لهم وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك بلفظ الغيبة كقولك: أقسم زيد ليفعلن ولو قيل لأفعلن وأحل لنا لكان صوابًا، وماذا مبتدأ وأحل لهم خبره كقولك: أيّ شيء أحل لهم ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلي عليهم ما حرم عليه من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم منها فقال: ( { قل أحل لكم الطيبات} ) أي ما ليس بخبيث منها وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ( { وما علمتم} ) عطف على الطيبات أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف ( { من الجوارح} ) أي من الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والباز والشاهين وسقط لأبي ذر قوله قل أحل لهم الخ وقال: بعد قوله: { أحل لهم} الآية ( { مكلبين} ) حال من علمتم، وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بعلمتم أن يكون من يعلم الجوارح موصوفًا بالتكليب والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها مشتق من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلبًا أو من الكلب الذي بمعنى الضراوة يقال: هو كلب كذا إذا كان ضاربًا به.

( الصوائد) جمع صائدة ( والكواسب) جمع كاسبة صفة قال العيني: للجوارح، وقال ابن حجر: للكلاب، وسقطت الواو الأولى لأبي ذر عن الحموي والمستملي أي الكلاب الصوائد.

( اجترحوا) أي ( اكتسبوا) كذا فسرها أبو عبيد ذكرها المؤلّف استطرادًا إشارة إلى أن الاجتراح يطلق على الاكتساب، وليس من الآية المسوقة هنا بل معترض بين: مكلبين وتعلمونهن.

( { تعلمونهن مما علمكم الله} ) من علم التكليب ( { فكلوا مما أمسكن عليكم} ) الإمساك أن لا يأكل منه فإن أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا يحرمه ( -إلى قوله- { سريع الحساب} ) [المائدة: 4] يحاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث وسقط لأبي ذر { تعلمونهن} إلى آخره.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله سعيد بن منصور: ( إن أكل الكلب) مما صاده ( فقد أفسده) على صاحبه بإخراجه عن صلاحيته للأكل لأنه ( إنما أمسك على نفسه) بأكله منه ( والله) تعالى ( يقول: { تعلمونهن مما علمكم الله} فتضرب) على الأكل مما اصطادته ( وتعلم حتى تترك) الأكل.
( وكرهه) أي الصيد الذي أكل منه الكلب ( ابن عمر) -رضي الله عنهما- وهذا وصله ابن أبي شيبة.
( وقال عطاء) : هو ابن أبي رباح فيما وصله ابن أبي شيبة ( إن شرب) الكلب ( الدم) مما صاده ( ولم يأكل) من لحمه أو نحوه كجلده وحشوته ( فكل) .


[ قــ :5189 ... غــ : 5483 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ، فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُلْ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: ( حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ أبو عبد الرحمن ( عن بيان) بفتح الموحدة والتحتية مخففًا ابن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي بمهملتين بينهما ميم ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن عدي بن حاتم) أنه ( قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) : يا رسول الله ( إنا قوم نصيد) بنون بعدها صاد وفي باب ما جاء في التصيد بزيادة فوقية بعد النون ( بهذه الكلاب) أفيحل لنا أكل ما نصيد بها؟ ( فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر قال:
( إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكُل مما أمسكن عليكم وإن قتلن) فيه إشعار بأنها إذا استرسلت بنفسها أو كانت غير معلمة لا يحل، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: مما أمسكن عليك بإسقاط ميم الجمع ( إلا أن يأكل الكلب) منه ( فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) لأن الله تعالى قال: { فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4] فإنما أباحه بشرط أن يعلم أنه أمسكه عليه وإذا أكل منه كان دليلًا على أنه أمسكه على نفسه، وقيل يحل وإن أكل منه لظاهر قوله تعالى: { فكلوا مما أمسكن عليكم} والباقي بعد أكله قد أمسكه علينا فحل لظاهر الآية، ولحديث أبي داود السابق ذكره في باب صيد المعراض.
قال الشافعي في المبسوط: والقياس يدل عليه لأن الكلب إذا عقر الصيد وقتله فقد حصلت الذكاة فأكله منه بعد حصول ذكاته لا يمنع من أكله كما إذا ذكّى المسلم صيدًا ثم أكل منه الكلب، وهذا ما نص عليه في التقديم،
وأومأ إليه في الجديد بالقياس وأجيب عن الآية بأن الحديث دل على أنه إذا أكل فقد أمسك لنفسه، وعن الحديث أبي داود المذكور بأنه تكلم فيه كما سبق مع غيره في الباب المذكور ( وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل) أي لأنه إنما سمى على كلابه، ولم يسمّ على غيرها كما صرح به فيما سبق.