فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمدا

باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلاَ بَأْسَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وَالنَّاسِي لاَ يُسَمَّى فَاسِقًا.
وَقَولُهُ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]
( باب) حكم ( التسمية على الذبيحة و) حكم ( من ترك) التسمية حال كونه ( متعمدًا) وتقييده بالعمدية مشعر بالتفرقة بين العمد والنسيان ويدل لذلك قوله: ( قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: ( من نسي) التسمية عند الذبح ( فلا بأس) يأكل ما ذبح ومفهومه عدم الحل مع العمدية، وهذا وصله الدارقطني، وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عباس فيمن ذبح ونسي التسمية فقال المسلم فيه اسم الله وإن لم يذكر التسمية وسنده صحيح، وهو موقوف وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا.

( وقال الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}) عند الذبح ( {وإنه}) وإن أكله ( {لفسق}) وسقط لأبي ذر {وإنه لفسق} ( والناسي لا يسمى فاسقًا) كما هو ظاهر من الآية لأن ذكر الفسق عقبه إن كان عن فعل المكلف وهو إهمال التسمية فلا يدخل الناسي لأنه غير مكلف فلا يكون فعله فسقًا وإن كان عن نفس الذبيحة التي لم يسم عليها وليست مصدرًا فهو منقول من المصدر والذبيحة المتروك التسمية عليها نسيانًا لا يصح تسميتها فسقًا إذ الفعل الذي نقل منه هذا الاسم ليس بفسق، فأما أن نقول لا دليل في الآية على تحريم المنسي فبقي على أصل الإباحة أو نقول فيها دليل من حيث مفهوم تخصيص النهي بما هو فسق فما ليس بفسق ليس بحرام قاله: صاحب الانتصاف من المالكية، وقال في المدارك: وظاهر الآية تحريم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو يجعل الناس ذاكرًا تقديرًا ومن أول الآية بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه فقد عدل عن ظاهر اللفظ، ولعل المؤلّف أشار إلى الزجر عن الاحتجاج لجواز تلك التسمية بتأويل الآية وحملها على غير ظاهرها حيث قال: ( وقوله) تعالى: ( {وإن الشياطين) قال في اللباب إبليس وجنوده ( {ليوحون}) ليوسوسون ( {إلى أوليائهم}) من المشركين ( {ليجادلوكم}) ليخاصموا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بقولهم ما ذكر اسم الله عليه فلا تأكلوه وما لم يذكر اسم الله عليه فكلوه رواه أبو داود وابن ماجة والطبري بسند صحيح عن ابن عباس ( {وإن أطعتموهم}) في استحلال ما حرمه الله ( {إنكم لمشركون}) [الأنعام: 121] لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك وبه من حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم، وقال عكرمة: المراد بالشياطين مردة المجوس ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش وذلك لأنه لما نزل تحريم الميتة سمعه المجوس من أهل فارس فكتبوا إلى قريش وكانت بينهم مكاتبة أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال وما يذبحه الله حرام فوقع في نفس ناس من المسلمين شيء من ذلك فأنزل الله هذه الآية.

والحاصل من اختلاف العلماء تحريم تركها عمدًا ونسيانًا وهو قول ابن سيرين والشعبي وطائفة من المتكلمين ورواية عن أحمد لظاهر الآية أو تخصيص التحريم بغير النسيان وهو مذهب الحنفية ومشهور مذهب المالكية والحنابلة لما سبق والإباحة مطلقًا عمدًا أو نسيانًا وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد محتجين بأن المراد من الآية الميتات وما ذبح على غير اسم الله لقوله تعالى: {وإنه لفسق} والفسق في ذكر غير اسم الله كما قال في آخر السورة: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا} إلى قوله: {أو فسقًا أهل لغير الله به} [الأنعام: 145] وأجمع المسلمون على أنّه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية، وأيضًا قوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} فإن هذه المناظرة كانت في الميتة كما مرّ، وقال تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية الأوثان لقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك.
قال إمامنا الشافعي رحمه الله: فأوّل الآية وإن كان عامًّا بحسب الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد
من العموم الخصوص، وقال صاحب فتوح الغيب -رحمه الله تعالى-: والمجادلة هي قولهم لم لا تأكلون ما قتله الله وتأكلون ما قتلتموه أنتم وذلك أنما يصح في الميتة فدخل بقوله: {وإنه لفسق} ما أهل لغير الله فيه.
وبقوله: {وإن الشياطين ليوحون} الميتة فتحقق قول الشافعي -رحمه الله- أن النهي مخصوص بما ذبح على النصب أو مات حتف أنفه، واختلف في قوله: {وإنه لفسق} فقيل جملة مستأنفة قالوا ولا يجوز أن تكون منسوقة على سابقتها لأن الأولى طلبية وهذه خبرية، وقيل إنها منسوقة على السابقة ولا يضر تخالفهما وهو مذهب سيبويه، وقيل إنها حالية أي لا تأكلوه والحال أنه فسق.

قال في اللباب: وقد تبجح الرازي بهذا الوجه على الحنفية حيث قلب دليلهم عليهم بهذا الوجه وذلك لأنهم يمنعون من أكل متروك التسمية والشافعية لا يمنعون منه استدلّ الحنفية بظاهر الآية فقال الرازي هذه الجملة حالية ولا يجوز أن تكون معطوفة لتخالفهما طلبًا وخبرًا فتعين أن تكون حالية وإذا كانت حالية كان المعنى لا تأكلوه حال كونه فسقًا ثم هذا الفسق مجمل فسره الله تعالى في موضع آخر فقال: {أو فسقًا أهلّ لغير الله به} يعنى أنه إذا ذكر غير اسم الله على الذبيحة فإنه لا يجوز أكلها لأنه فسق، وقد يجاب بأن يقال سلمنا إن ما أهلّ لغير الله به يكون فسقًا ونحن نقول به ولا يلزم من ذلك أنه إذا لم يذكر اسم الله عليه ولا اسم غيره أن يكون حرامًا وللنزاع فيه مجال من وجوه: منها إنّا لا نسلم امتناع عطف الخبر على الطلب والعكس كما مرّ عن سيبويه، وإن سلم قالوا وللاستناف وما بعدها مستأنف، وإن سلم أيضًا فلا نسلم أن فسقًا في الآية الأخرى مبين للفسق في هذه الآية فإن هذا ليس من باب المجمل والمبين لأن له شروطًا ليس موجودة هنا وسقط قوله ليجادلوكم إلى آخره لأبي ذر.


[ قــ :5203 ... غــ : 5498 ]
- حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا».
قَالَ:.

     وَقَالَ  جَدِّي إِنَّا لَنَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ عَظْمٌ.
وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي البصريّ قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري ( عن عباية بن رفاعة بن رافع) بفتح العين والموحدة المخففة بعدها تحتية ورفاعة بكسر الراء وتخفيف
الفاء وبعد الألف عين مهملة الأنصاري ( عن جدّه رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية جيم، وقال أبو الاحوص عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جدّه وتابع أبا الأحوص على زيادته في الإسناد عن أبيه حسان بن إبراهيم الكرمانيّ عن مسعود بن مسروق أخرجه البيهقي من طريقه وكذا رواه ليث بن أبي سليم عن عباية عن أبيه عن جدّه أنه ( قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة) من الأسماء المركبة تركيب إضافة فيعرب الأوّل بوجوده الإعراب والثاني مجرور على الإضافة كأبي هريرة وزاد سفيان الثوري عن أبيه من تهامة وهو مكان بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كما جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت ووقع للقابسي أنها الميقات المشهور وكذا ذكره النووي ( فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلًا وغنمًا) من المغانم ( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كائنًا ( في أُخريات الناس) آخرهم ليصونهم ويحفظهم إذ لو تقدّمهم لخيف أن يقتطع الضعيف منهم وكان بالمؤمنين رحيمًا ( فعجلوا) من الجوع الذي كان بهم وذبحوا ما غنموه قبل القسمة ( فنصبوا القدور) ووضعوا ما ذبحوه فيها وفي رواية الثوري فأغلوا القدور أي أوقدوا النار تحتها حتى غلت ( فدفع) بضم الدال مبنيًّا للمفعول أي وصل ( إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر هنا إليهم ومقتضاه سقوط إليهم الأولى ( فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بالقدور) أن تكفأ ( فأكفئت) بضم الهمزة وسكون الكاف.
قال ابن فرحون: أي فأمر رجلًا بكفء القدور ولأن أمر يتعدى إلى مفعول به إلى الثاني بالباء ويكون الثاني مصدرًا أو مقدرًا بمصدر تقول أمرتك الخير وأمرتك بالخير وتقول أمرتك بزيد ولا تقول أمرتك زيدًا لأن التقدير أمرتك بإكرام زيد أو بضرب زيد فيحذف المصدر ويقام المضاف إليه مقامه، وكذلك جاء هنا فلا يجوز فأمر القدور إلا بتقدير مضاف أي بكفء القدور فالباء الداخلة على المصدر به حذفه دخلت على القائم مقامه قال: وهذا الذي ظهر لي من التقدير ما وقفت عليه لكن وجدت القواعد تسوق إليه انتهى.

وقوله: فأكفئت أي فقلبت وأفرغ ما فيها أي من المرق كما قاله النووي عقوبة لهم قال: وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إضاعة المال وهذا من مال الغانمين وأيضًا فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة فإن منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس.
فإن قيل: إنه لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه فيجب تأويله على وفق القواعد انتهى.

لكن في حديث عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من الأنصار قال: أصاب الناس حاجة شديدة وجهد فأصابوا غنمًا فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحل من الميتة" رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم، وترك تسمية الصحابي لا يضرّ ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه لا مكان تداركه بالغسل لأن سياق الحديث يُشعِر بإرادة المبالغة في الزجر عن ذلك وهو كونهم انتهبوا ولم يأخذوا باعتدال فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير
زجر لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر قاله في الفتح وغيره.

( ثم قسم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فعدل) أي قابل ( عشرة) ولأبي ذر عشرًا ( من الغنم ببعير) لنفاسة الإبل إذ ذاك أو قلتها وكثرة الغنم أو كانت هزيلة بحيث كان قيمة البعير عشر شياه وحينئذٍ فلا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزىء عن سبع شياه لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير العتدلين، فالأصل أن البعير لسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك ( فند) بفتح الفاء والنون وتشديد الدال فنفر وذهب على وجهه شاردًّا ( منها) من الإبل المقسومة ( بعير) والفاء عاطفة على السابق ( وكان في القوم خيل يسيرة) قال ذلك تمهيدًا لعذرهم في كون البعير الذي ندّ أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله ( فطلبوه) بفاء العطف والسبب ( فأعياهم) فأتعبهم والفاء للعطف على محذوف أي طلبوه ففاتهم ولم يقدروا على تحصيله ( فأهوى إليه رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه أي قصد نحوه ورماه ( بسهم فحبسه الله) بالسهم لم جعل إصابة السهم له سببًا في وقوفه فهو عز وجل خالق الأسباب والمسببات ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن لهذه البهائم) جمع بهيمة قال: في القاموس كل ذات أربع قوائم وفي رواية الثوري وشعبة إن لهذه الإبل ( أوابد) بفتح الهمزة والواو وكسر الموحدة بعدها دال مهملة أي توحشًا ونفرة من الإنس ( كأوابد الوحش) وأوابد لا ينصرف لأنه على صيغة منتهى المجموع والكاف يجوز أن تكون اسمًا صفة لأوابد يكون ما بعد الكاف مضافًا إليه أو الكاف حرف جرّ وتاليه مجرور به أي إن لهذه البهائم أوابد كائنة كأوابد الوحش وإنما انصرف أوابد الثاني لأنه أضيف ( فما ندّ) نفر واستعصب ( عليكم) ولأبي ذر زيادة منها ( فاصنعوا به هكذا) أي وكلوه كما عند الطبراني وقوله هكذا الهاء للتنبيه وكذا كلمتان الكاف بمعنى مثل في موضع المفعول وذا مضاف إليه أو الكاف نعت لمصدر محذوف أي فاصنعوا به صنعًا كذا أي مثل ذلك.

( قال) عباية: ( وقال جدي) : رافع بن خديج وزاد عبد الرزاق عن الثور في روايته يا رسول الله وهذا صورته صورة الإرسال لأن عباية لم يدرك زمان القول ( إنا لنرجو أو) قال: ( نخاف) بالشك من الراوي ( أن نلقى العدو غدًا وليس معنا مدى) بضم الميم وبالدال المهملة مقصورًا مخففًا جمع مدية بسكون الدال سكين تذبح بها ما نغنمه منهم أو نذبح بها ما نأكله لنتقوّى به على العدو إذا لقيناه وسميت المدية فيما قيل لأنها تقطع مدي حياة الحيوان ( أفنذبح بالقصب) الفاء عاطفة على ما قبل همزة الاستفهام ومنهم من قدّر المعطوف عليه بعد الهمزة كما مر في قوله أوّل هذا المجموع أو مخرجيّ هم والتقدير هنا أي أتأذن فنذبح بالقصب وقال الكرماني: فإن قلت ما الغرض من ذكر لقاء العدوّ عند السؤال عن الذبح بالقصب قلت غرضه إنّا لو استعملنا السيوف في المذابح لكلّت وعند اللقاء نعجز عن القاتلة بها ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا بجواب جامع.

( ما أنهر الدم) بسكون النون وبعد الهاء المفتوحة راء مهملة أي أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وما شرطية رفع بالابتداء ( وذكر اسم الله عليه) بضم الدال فعل ومفعول لم يسم فاعله وعليه متعلق بذكر وجواب الشرط قوله ( فكل) أو ما موصولة رفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير ما أنهر الدم فحلال فكلوا واللام في الدم بدل من المضاف إليه أي دم صيد والضمير في فكلوه على الوجهين لا يصح عوده على ما فلا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها فيقدّر محذوف ملابس أي فكلوا مذبوحه أو يقدر مضاف إلى ما أي مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه وبه يتمسك من اشترط التسمية لأنه علق الإذن بمجموع الأمرين الأنهار والتسمية والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما ومبحث ذلك قد مرّ مرارًا ( ليس السن والظفر) نصب على الخبرية لليس وقيل على الاستثناء واسمها على الخلاف هل هو ضمير مستتر عائد على البعض المفهوم من الكل السابق أو لفظ بين محذوف تقول جاء القوم ليس زيدًا بمعنى إلا زيدًا وتقديره ليس بعضهم زيدًا ولا يكون بعضهم زيدًا ومؤدّاه مؤدي إلا ( وسأخبركم عنه) ولأبي ذر عن الكشميهني وسأحدثكم عنه ( أما السن) فإنه ( عظم) وكل عظم لا يحل الذبح به فالنتيجة مطوية لدلالة الاستثناء عليها كما قاله البيضاوي، أو كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قرر عندهم أن الذكاة لا تحل بالعظم فلذا اقتصر على قوله عظم قاله ابن الصلاح وللكشميهني فعظم بزيادة الفاء ( وإما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم، أو لأن الذبح به تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبًا إلا الخنق الذي ليس على صورة الذبح.
وفي الحديث منع الذبح بالسن والظفر متصلًا كان أو منفصلًا طاهرًا كان أو متنجسًا وفرق الحنفية بين السن والظفر المتصلين فخصوا المنع بهما وأجازوه بالمنفصلين، وفي المعرفة للبيهقي من رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يدخل في البخور والطيب.