فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب لحم الدجاج

باب الدَّجَاجِ
( باب) حكم أكل لحم ( الدجاج) بتثليث الدال المهملة كما حكاه المنذري في الحاشية وابن مالك وابن معين الدمشقي الواحدة دجاجة والهاء فيه للوحدة كالحمام والحمامة، وسميت بذلك كما قال ابن سيدة: لإقبالها وإدبارها يقال دج القوم يدجون دجًّا ودجيجًا إذا مشوا مشيًا رويدًا في تقارب خطو وقيل: أن يقبلوا ويدبروا ولأبي ذر: باب لحم الدجاج.


[ قــ :5222 ... غــ : 5517 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى يَعْنِي الأَشْعَرِىَّ رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ دَجَاجًا.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي في قول ابن السكن أو هو ابن جعفر بن أعين أبو زكريا البيكندي فيما جزم به أبو نعيم والكلاباذي قال: ( حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح أحد الأعلام ( عن سفيان عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني الإمام ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي ( عن زهدم) بفتح الزاي والدال المهملة بينهما هاء ساكنة ابن مضرب ( الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء ( عن أبي موسى يعني الأشعري -رضي الله عنه-) سقط لأبي ذر يعني الأشعري أنه ( قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل دجاجًا) فيه دليل حلّه وهو من الطيبات وأكل الفتيّ منه يزيد في العقل والمني ويصفي الصوت.




[ قــ :53 ... غــ : 5518 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ، قَالَ: ادْنُ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مِنْهُ.
قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ أَكَلَ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ.
فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ أَوْ أُحَدِّثْكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، وَهْوَ يَقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ: فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبٍ مِنْ إِبِلٍ، فَقَالَ: أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ قَالَ: فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَبِثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: نَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا اسْتَحْمَلْنَاكَ فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، فَظَنَنَّا أَنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ.
فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله المقعد البصري قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري قال: ( حدّثنا أيوب بن أبي تميمة) كيسان السختياني ( عن القاسم) بن عاصم الكليني ( عن زهدم) بفتح الزاي والدال المهملة بينهما هاء ساكنة ابن مضرب بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة الجرمي أنه ( قال: كنا عند أبي موسى الأشعري وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم ( إخاء) بكسر الهمزة والمد والحي بالخفض صفة لاسم الإشارة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بيننا وبينه هذا الحيّ بالرفع، وقال السفاقسي: بالخفض بدلًا من الضمير في بينه ورد بأنه يصير تقدير الكلام أن زهدمًا الجرمي قال: كان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء، وليس المراد وإنما المراد أن أبا موسى وقومه الأشعريين كانوا أهل مودّة وإخاء لقوم زهدم وهم بنو جرم، ورواية الكشميهني السابقة هنا تؤيد ما قاله السفاقسي إلا أن المعنى غير صحيح وفي آخر كتاب التوحيد عن زهدم قال: كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ودّ وإخاء وهذه الرواية هي المعتمدة كما قاله في الفتح.
( فأتي) بضم الهمزة أبو موسى ( بطعام فيه لحم دجاج وفي القوم رجل جالس أحمر) اللون ( فلم يدن من طعامه فقال: ادن) فكُل ( فقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل منه) وفي الترمذي من طريق قتادة عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا فقال: ادن فكُل ففيه أن المبهم هو زهدم الراوي أبهم نفسه وقد كان زهدم هذا ينتسب تارة لبني جرم وتارة لبني تيم الله، وجرم قبيلة من قضاعة ينسبون إلى جرم بن زبان بزاي وموحدة ثقيلة ابن عمران بن لحاف بن قضاعة وتيم الله بطن من بني كلب وهم قبيلة من قضاعة أيضًا ينسبون إلى تيم الله بن رفيدة بفاء مصغرًا ابن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة فحلوان عمّ جرم.

قال الرشاطي في الأنساب: وكثيرًا ما ينسبون الرجل إلى أعمامه قاله في الفتح.

( قال) الرجل لأبي موسى معتذرًا عن كونه لم يقرب للأكل ( إني رأيته) أي جنس الدجاج ( يأكل شيئًا) قذرًا ( فقذرته) بكسر المعجمة ( فحلفت أن لا آكله) وكأنه ظنه أنه أكثر من أكله بحيث صار من الجلالة فبيّن أنه ليس كذلك ( فقال: ادن) أي أقرب ( أخبرك) بالجزم جواب الأمر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذن أخبرك بكسر الهمزة وفتح الذال المعجمة وسكون النون وأخبرك نصب بإذن ( أو أحدثك) شك من الراوي ( أني أتيت النبي) ولأبي ذر وابن عساكر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان، وهو يقسم نعمًا من نِعم الصدقة فاستحملناه) طلبنا منه إبلًا تحملنا ( فحلف أن لا يحملنا فقال) :
( ما عند ما أحملكم عليه ثم أتي) بضم الهمزة ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب) من غنيمة ( من إبل
فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أين الأشعريون أين الأشعريون) ؟ مرتين ( قال) أبو موسى ( فأعطانا) عليه الصلاة والسلام ( خمس ذود) نصب على المفعول مضاف لذود وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل، واستنكر أبو البقاء في غريبه الإضافة فقال: والصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلًا من خمس فإنه لو كان بغير تنوين وأضفت لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون خمس ذود خمسة عشر بعيرًا لأن الإبل الذود ثلاثة انتهى.

وتعقبه في فتح الباري فقال: وما أدري كيف حكم بفساد المعنى إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا فما الذي يضر؟ وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين القرينين إلى أن عدّ ست مرات، والذي قاله: إنما يتم أن لو جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة، وتعقبه العيني فقال: رده مردود عليه لأن أبا البقاء إنما قال ما قاله في هذه الرواية ولم يقل إن الذي قاله يتأتى في جميع طرق هذا الحديث انتهى.

وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن القصة واحدة والطرق يفسر بعضها بعضًا فلا وجه لردّ رواية الإضافة مع توجيهها بورود بعض طرق الخبر بما يصححها انتهى.

وقال في المصابيح رادًّا على قول أبي البقاء هذا خيال فاسد يلزم عليه أن يكون المأخوذ في قولك أخذت خمسة أسياف خمسة عشر سيفًا لأن أقل الأسياف ثلاثة وهذا عين ما قاله وبطلانه مقطوع به.

( غير الذرى) بضم الغين المعجمة جمع أغر منصوب ويجر والأغر الأبيض والذرى بضم الذال المعجمة مقصورًا جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا أسنمة الإبل ( فلبثنا) مكثنا ( غير بعيد، فقلت لأصحابي: نسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) الذي حلف لا يحملنا ( فوالله لئن تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه لا نفلح أبدًا فرجعنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا: يا رسول الله إنّا استحملناك) أي طلبنا منك إبلًا تحملنا علينا ( فحلفت أن لا تحملنا فظننا أنك نسيت يمينك فقال) صلوات الله وسلامه عليه:
( إن الله هو حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه أو على بمعنى الباء وعند النسائي إذا حلفت بيمين لكن قوله ( فأرى غيرها خيرًا منها) يدل على الأوّل لأن الضمير لا يصح عوده على اليمين بمعناه الحقيقي والمراد أن يظهر له بالعلم أو غلبة الظن أن غير المحلوف عليه خير منه والمراد بغيره إن كان فعلًا ترك ذلك الفعل وإن ترك شيء فهو ذلك الشيء ( إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه ( وتحللتها) بالكفارة.

وفي الحديث حلّ أكل الدجاج مطلقًا.
نعم إذا ظهر تغير لحم الجلالة من دجاج أو نعم وهي التي تأكل العذرة اليابسة أخذًا من الجلة بفتح الجيم بالرائحة والنتن في عرقها وغيره حرم أكلها، وقيل يكره، وصحح النووي الكراهة فإن علفت طاهرًا فطاب لحمها بزوال الرائحة حلّ
الأكل بالذبح من غير كراهة ويجري الخلاف في لبنها وبيضها وعلى الحرمة يكون اللحم نجسًا وهي في حياتها طاهرة والأصل في ذلك حديث ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تعلف أربعين ليلة رواه الدارقطني والبيهقي وقال: ليس بالقوي، وقال الحاكم صحيح الإسناد، ولفظ نهى يصدق بالحرمة والكراهة.

وحديث الباب سبق في باب قدوم الأشعريين.