فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب

باب إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ أَوِ الذَّائِبِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا وقعت الفأرة) بالهمز الساكن واحد الفأر ( في السمن الجامد أو الذائب) أو غيره من الأدهان والأعسال ونحوهما هل يفترق الحكم أم لا؟ وفأرة البيوت حيوان مؤذ زائد في الفساد وهي الفويسقة التي أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها في الحل والحرم.
وسميت بذلك لخروجها من حجرها على الناس، وأصل الفسق الجور والخروج عن الاستقامة وسميت بعض الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن، وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم، ولأن الفأرة أبدت جورها الخبيث في قطع حبال سفينة نوح، والفأر عظيم الحيل كثير الأذى يقرض الثياب والكتب ويأكل الحبوب والزرع والمائعات ويرمي فيها بعره ليفسدها وهي تعادي العقرب، فإذا جعلت فأرة وعقربًا في قارورة فإنه يقع بينهما قتال عجيب، لأن العقرب تلدغ الفأرة والفأرة تحتال على أن تقبض إبرتها والعقرب لا تمكنها من ذلك وتضربها، فإن قبضت الفأرة على إبرتها غلبتها وإن ضربتها العقرب كثيرًا أهلكتها، ومن الفأر صنف يحب الدراهم والدنانير يسرقها ويلعب بها وكثيرًا ما يخرجها من بيته ويلعب بها ويرقص عليها ثم يردها إلى بيته واحدًا واحدًا، فإذا أقفر البيت من الأدم لم يألفه الفأر، وقال أنس بن أبي إياس وقفت عجوز على قيس فقالت: أشكو إليك قلة الفأر قال: ما ألطف ما سألت تذكر أن بيتها أقفر من الأدم فأكثر لها يا غلام.
نقله الزين عبد الرحمن بن داود القادري الحنبلي في كتابه نزهة الأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار.


[ قــ :5242 ... غــ : 5538 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ».
قِيلَ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ مَعْمَرًا يُحَدِّثُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: إِلاَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارًا.

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( أنه سمع ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( يحدّثه) بإثبات هاء الضمير في الفرع كأصله وغيرهما ( عن ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين -رضي الله عنها- ( أن فأرة وقعت في سمن فماتت) فيه ( فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها) أنجست السمن فيمتنع أكله أم لا؟ ( فقال) :
( ألقوها) بعد استخراجها من السمن ( وما حولها) منه ( وكلوه) أي السمن الباقي.

وهذا يدل على أن السمن كان جامدًا لأنه لا يمكن طرح ما حولها من المائع الذائب إذ إنه عند الحركة يختلط، وفي مسند إسحاق بن راهويه ومن طريقه ابن حبان إن كان جامدًا فألقوها وما حولها وكلوه وإن كان ذائبًا فلا تقربوه.

وهذه الزيادة في رواية ابن عيينة غريبة كما قاله الحافظ ابن حجر.

قال علي بن المديني شيخ المؤلّف في علله: ( قيل لسفيان) بن عيينة ( فإن معتمرًا يحدث عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( قال) سفيان بن عيينة ( ما سمعت الزهري يقول إلا عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله المذكور قبل ( عن ابن عباس عن ميمونة) -رضي الله عنها- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ولقد سمعته)
أي الحديث ( منه) من الزهري ( مرارًا) من طريق ميمونة فقط.

وهذا وصله أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني، وأحمد بن صالح كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر المذكور بإسناده.
وعند الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني قال سفيان: كما سمعناه من الزهري يعيده ويبديه.

وهذا الحديث قد سبق في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء من كتاب الطهارة.




[ قــ :543 ... غــ : 5539 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، وَهْوَ جَامِدٌ أَوْ غَيْرُ جَامِدٍ، الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِفَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ فَأَمَرَ بِمَا قَرُبَ مِنْهَا فَطُرِحَ، ثُمَّ أُكِلَ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن الدابة) أي عن حكم الدابة ( تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد) من غير فرق بين السمن وغيره ولا بين الجامد منه والذائب ( الفأرة) بدل من الدابة أو عطف بيان لها ( أو غيرها) عطف على المجرور هل ينجس الكل أم لا ( قال) الزهري ( بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها) من الفأرة ( فطرح ثم أكل) ما بقي من السمن ( عن حديث عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود والجار والمجرور يتعلق بقوله بلغنا أي بلغنا عن حديث عبيد الله.

وهذا بلاغ صورته صورة المرسل أو الموقوف لكنه مذكور بالإسناد المرفوع أولًا وآخرًا.
قال في الفتح: ولم يظهر لنا هل فيه ميمونة أو لا؟ واستدلّ بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير وهو اختيار البخاري، وقول ابن نافع من المالكية، وفرق الجمهور بين الجامد والمائع عملًا بالتفصيل السابق ولم يرد في طريق صحيح تحديد ما يلقى.
نعم أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار بسند جيد أنه يكون قدر الكف،
واستدلّ بقوله في الرواية المفضلة وإن كان مائعًا فلا تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في شيء فيحتاج من أجاز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية أو بيعه كالحنفية إلى الجواب عن الحديث، واحتج المجوّزون بحديث ابن عمر عند البيهقي إن كان السمن مائعًا انتفعوا به ولا تأكلوه، وحديث ابن عمر في فأرة وقعت في زيت استصبحوا به وادهنوا به.




[ قــ :544 ... غــ : 5540 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ -رضي الله عنهم- قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال ( حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود ( عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم) أنها ( قالت: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) حكم ( فأرة سقطت في سمن) وماتت فيه هل ينجس فلا يؤكل ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( ألقوها) أي الفأرة ( وما حولها) من السمن ( وكلوه) أي سائر السمن والمشهور جواز الاستصباح بما حولها لكن يكره وقيل: لا يجوز لقوله تعالى: { والرجز فاهجر} [المدثر: 5] .

وكل هذا في غير المساجد أما المساجد فلا يستصبح به فيها جزمًا ويجوز أن يتخذ صابونًا يغسل به ولا يباع، وقال الظاهرية: لا يجوز بيع السمن ولا الانتفاع به ويجوز بيع الزيت والخل والعسل وجميع المائعات، لأن النهي إنما ورد في السمن دون غيره ويحرم أكل جميع أنواع الفأر ويكره أكل سؤره، وكان الزهري يقول: إن أكل سؤره يورث النسيان.