فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الخمر من العسل، وهو البتع

باب الْخَمْرُ مِنَ الْعَسَلِ، وَهْوَ الْبِتْعُ
وَقَالَ مَعْنٌ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الْفُقَّاعِ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يُسْكِرْ فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ سَأَلْنَا عَنْهُ فَقَالُوا: لاَ يُسْكِرُ لاَ بَأْسَ بِهِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( الخمر) يتخذ ( من العسل وهو البتع) بكسر الموحدة وتفتح وسكون الفوقية وقد تحرّك آخره عين مهملة لغة يمانية.

( وقال معن) : بفتح الميم وسكون العين ابن عيسى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى مما
ذكره في الموطأ عن مالك ( سألت مالك بن أنس) الإمام ( عن الفقاع) بضم الفاء وتشديد القاف آخره عين مهملة الشراب المعروف المتخذ من الزبيب ما حكم شربه ( فقال) مجيبًا له ( إذا لم يسكر فلا بأس به) ومفهومه إذا أسكر حرم ( وقال ابن الدراوردي) عبد العزيز بن محمد: ( سألنا عنه) أي عن الفقاع أيجوز شربه أم لا؟ قال الحافظ ابن حجر: ولم أعرف الذين سألهم ابن الدراوردي، لكن الظاهر أنهم فقهاء المدينة في زمنه وهو قد شارك مالكًا في لقاء أكثر مشايحه المدنيين ( فقالوا) : إذا كان ( لا يسكر لا بأس به) .


[ قــ :5287 ... غــ : 5585 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْبِتْعِ فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن عائشة) -رضي الله عنها- ( قالت: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل ( عن البتع) عن حكم جنسه لا عن مقداره وكان أهل المدينة يشربونه قال في الفتح: ولم أقف على اسم السائل صريحًا، لكني أظنه أبا موسى الأشعري لما في المغازي عن أبي موسى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه إلى اليمن فسأل عن أشربة تصنع بها فقال: ما هي؟ قال: البتع والمزر ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( كل شراب أسكر فهو حرام) ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه، وعند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان عن جابر قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
وفي ذلك جواز القياس باطّراد العلة وعلى هذا فيحرم جميع الأنبذة المسكرة، وبذلك قال الشافعية والمالكية والحنابلة والجمهور، وقال أبو المظفر السمعاني: وقياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من أجلى الأقيسة وأوضحها والمفاسد التي في الخمر توجد في النبيذ، وقال الحنفية: نقيع التمر والزبيب وغيرهما من الأنبذة إذا غلى واشتدّ حرم ولا يحدّ شاربه حتى يسكر ولا يكفر مستحله، وأما الذي من ماء العنب فحرام ويكفر مستحله لثبوت حرمته بدليل قطعي ويحدّ شاربه، وقد ثبتت الأخبار عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تحريم المسكر، وقد قال عبد الله بن المبارك: لا يصح في حلّ النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة ولا عن التابعين شيء إلا عن إبراهيم النخعي ويدخل في قوله: كل مسكر حرام حشيشة الفقراء وغيرها وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وفي معنى شرب الخمر أكله بأن كان ثخينًا أو أكله بخبز أو طبخ به لحمًا أو أكل مرقه فخرج به أكل اللحم المطبوخ به لذهاب العين منه وكذا الاحتقان به والاستعاط.




[ قــ :588 ... غــ : 5586 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْبِتْعِ وَهْوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ،
وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ».
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَنْتَبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَلاَ فِي الْمُزَفَّتِ» وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهَا الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سئل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن البتع وهو نبيذ العسل) بالذال المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني وهو شراب العسل ( وكان أهل اليمن يشربونه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( كل شراب أسكر فهو حرام) وقد ورد لفظ هذا ومعناه من طرق عن أكثر من ثلاثين من الصحابة مضمونها أن المسكر لا يحل تناوله ويكفي ذلك في الرد على المخالف، وأما ما احتجوا به من حديث ابن عباس عند النسائي برجال ثقات مرفوعًا: "حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب".
فاختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه وعلى تقدير صحته، فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه لفظ والمسكر بلفظ الميم وسكون السين لا السكر بضم السين أو بفتحتين وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محقل فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع صحتها وكثرتها.

( وعن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالإسناد السابق أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط ابن مالك لأبي ذر ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا تنتبذوا في الدباء ولا في المزفت) قال الزهري ( وكان أبو هريرة يلحق معهما الحنتم) بالحاء المهملة والمثناة الفوقية ( والنفير) عند مسلم من طريق زاذان قال: سألت ابن عمر عن الأوعية فقلت أخبرناه بلغتكم وفسره لنا بلغتنا فقال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحنتمة وهي الجرة، وعن الدباء وهي القرعة، وعن النقير وهي أصل النخلة تنقر، وعن المزفت وهو المقير، وليس المراد أن أبا هريرة يلحق الحنتم والنقير من قبل نفسه وأنه رأي رآه بل المراد أنه يلحقهما في روايته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو مرفوع.