فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول المريض: " إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع

باب قَوْلِ الْمَرِيضِ إِنِّى وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهْ أَوِ اشْتَدَّ بِى الْوَجَعُ وَقَوْلِ أَيُّوبَ: { أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
( باب) جواز ( قول المريض إني وجع) بفتح الواو وكسر الجيم ولأبي ذر باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع ( أو) قوله ( وارأساه) وهو تفجع على الرأس من شدة صداعه ( أو اشتد) أي أو قوله اشتد ( بى الوجع و) باب ( قول أيوب) عليه السلام: ( { أني مسني الضر} ) الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال ( { وأنت أرحم الراحمين} ) [الأنبياء: 83] ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية
الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال: أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضر الذي مسه وقال الطيبي لم يقل ارحم ضري ليعم ويشتمل ويشعر بالتعليل ولذلك استجيب له وروي عن أنس أخبر أيوب عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشكه وكيف يشكو من قيل له إنا وجدناه صابرًا نعم العبد، وقيل: إنما اشتكى إليه تلذذًا بالنجوى لا أنه تضرر بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب والشكاية منه غاية البعد.

وقد استشكل إيراد المؤلّف لهذه الآية هنا إذ إنها لا تناسب الترجمة لأن أيوب إنما قال ذلك داعيًا ولم يذكره للمخلوقين وأجيب: باحتمال أنه أشار إلى أن مطلق الشكوى لا تمنع ردًّا على من زعم أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا فنبه على أن الطلب منه تعالى ليس ممنوعًا بل زيادة عبادة لما ثبت مثل ذلك عن المعصوم وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، فلعل مراد المؤلّف أن الذي يجوز من الشكوى ما كان على طريق الطلب من الله تعالى.


[ قــ :5365 ... غــ : 5665 ]
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: مَرَّ بِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَدَعَا الْحَلاَّقَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ أَمَرَنِى بِالْفِدَاءِ.

وبه قال ( حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن ابن أبي نجيح) عبد الله ( وأيوب) السختياني كلاهما ( عن مجاهد) المفسر ( عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة ( عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء من أصحاب الشجرة ( رضي الله عنه) أنه ( قال: مرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أوقد تحت القدر) زاد في المغازي والقمل يتناثر على رأسي ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أيؤذيك هوام رأسك) ؟ بفتح الهاء والواو وبعد الألف ميم مشددة جمع هامة بتشديدها اسم للحشرات لأنها تهم أي تدب وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل فكأنه قال أيؤذيك قبل رأسك، ( قلت: نعم) يا رسول الله يؤذيني ( فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( الحلاق فحلقه) أي حلق شعر رأسي ( ثم أمرني بالفداء) وفي الحج فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسِك بشاة، وفي باب النسك شاة من كتاب الحج فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم وليس إخباره بإيذائها له شكوى بل لبيان الواقع والاسترشاد لما فيه نفعه.




[ قــ :5366 ... غــ : 5666 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّا أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَىٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّى لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِى وَلَوْ كَانَ
ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ» ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ.
[الحديث 5666 - طرفه في: 717] .

وبه قال (حدّثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا) التميمي الحنظلي النيسابوري قال أخبرنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق الثقة الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- أنه (قال: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (وارأساه) روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول وارأساه! قال الطيبي: ندبت نفسها وأشارت إلى الموت (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ذاك) بكسر الكاف (لو كان) أي إن حصل موتك (وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك) بكسر الكاف فيهما أيضًا (فقالت عائشة: واثكلياه) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع بعدها تحتية مخففة فألف فهاء ندبة، وفي بعض الأصول بفتح اللام، ولم يذكر الحافظ ابن حجر غيرها وتعقبه العيني فقال: ليس كذلك لأن ثكلياه إما أن يكون مصدرًا أو صفة للمرأة التي فقدت ولدها فإن كان مصدرًا فالثاء مضمومة واللام مكسورة وإن كان اسمًا فالثاء مفتوحة واللام كذلك.
قال في القاموس: الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد انتهى.
وليست حقيقته مرادة هنا بل هو كلام يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها (والله إني لأظنك) أي من قوله لها لو من قبلي (تحب موتي ولو كان ذاك) أي موتي ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذلك بلام بعد المعجمة (لظللت) بفتح اللام والظاء المعجمة بعدها لام مكسورة فأخرى ساكنة (آخر يومك) من موتي (معرسًا) بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الراء المشدّدة بعدها سين مهملة اسم فاعل وبسكون العين وتخفيف الراء من أعرس بامرأته إذا بنى بها أو غشيها (ببعض أزواجك) ونسيتني (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أنا وارأساه) كذا في الفرع وفي غيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها بل أنا وارأساه بإثبات بل الإضرابية أي دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي فإنك لا تموتين في هذه الأيام بل تعيشين بعدي علم ذلك بالوحي، ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لقد هممت أو) قال (أردت) بالشك من الراوي (أن أرسل إلى أبي بكر) الصديق (وابنه وأعهد) بفتح الهمزة والنصب عطفًا على المنصوب السابق أي أوصي بالخلافة لأبي بكر كراهة (أن يقول القائلون) الخلافة لفلان أو لفلان أو يقول واحد منهم الخلافة لي وأن مصدرية والمقول محذوف (أو يتمنى المتمنون) الخلافة فأعينه قطعًا للنزاع وقد أراد الله أن لا يعهد ليؤجر المسلمون على الاجتهاد والمتمنون بضم النون جمع متمن بكسرها، وقال السفاقسي: ضبط قوله المتمنون بفتح النون وإنما هو بضمها لأن الأصل المتمنيون على زنة المتطهرون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان الياء والواو فحذفت الياء كذلك
وضمت النون لأجل الواو إذ لا يصح واو قبلها كسرة، قال العيني: فتح النون هو الصواب وهو الأصل كما في قوله المسمون إذ لا يقال فيه بضم الميم وتشبيه القائل المذكور المتمنون بالمتطهرون غير مستقيم لأن هذا صحيح وذاك معتل اللام وكل هذا عجز وقصور عن قواعد علم الصرف.

(ثم قلت: يأبى الله) إلا خلافة أبي بكر (ويدفع المؤمنون) خلافة غيره لاستخلافي له في الإمامة الصغرى (أو) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدفع الله) خلافة غيره (ويأبى المؤمنون) إلا خلافته فالشك من الراوي في التقديم والتأخير وفائدة إحضار ابن الصديق معه في العهد بالخلافة ولم يكن له فيها دخل قال في الكواكب لأن المقام مقام استمالة قلب عائشة يعني كلما أن الأمر مفوّض إلى أبيك كذلك الائتمار في ذلك بحضرة أخيك فأقاربك هم أهل مشورتي.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأحكام.




[ قــ :5367 ... غــ : 5667 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: «أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ قَالَ: «نَعَمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».

وبه قال ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري ثقة عابد يعدّ من الأبدال قال: ( حدّثنا سليمان) بن مهران الأعمش ( عن إبراهيم) بن يزيد ( التيمي) العابد ( عن الحارث بن سويد) التيمي ( عن ابن مسعود) عبد الله ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يوعك) بفتح العين يحم ( فمسسته) بكسر المهملة الأولى وسكون الأخرى ولأبي عن الحموي والمستملي فسمعته بدل قوله فمسسته أي فسمعت أنينه ففيه حذف، لكن قال الحافظ ابن حجر: إنها تحريف، وزاد الكشميهني بعد فمسسته بيدي ( فقلت) يا رسول الله ( إنك لتوعك وعكًا شديدًا قال) :
( أجل) بفتح الجيم وسكون اللام مخففة أي نعم ( كما يوعك رجلان منكم) لأنه كالأنبياء مخصوص بكمال الصبر ( قال) ابن مسعود قلت ذلك التضاعف ( لك أجران قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( نعم) فالبلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعم الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من مسلم يصيبه أذى مرض) رفع بدل من سابقه ( فما سواه) كالهم يهمه ( إلاّ حط الله سيئاته) من الصغائر والكبائر حدّث عن الكريم بما شئت ( كما تحط الشجرة ورقها) في زمن الخريف لأنها حينئذ يتجرد عنها سريعًا لجفافها وكثرة هبوب الرياح.

وهذا الحديث سبق قريبًا غير مرة.




[ قــ :5368 ... غــ : 5668 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِى زَمَنَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ: بَلَغَ بِى مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِى إِلاَّ ابْنَةٌ لِى أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى؟ قَالَ: «لاَ».
.

قُلْتُ بِالشَّطْرِ قَالَ: «لاَ».
.

قُلْتُ الثُّلُثُ قَالَ: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ».

وبه قال ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون التيمي مولاهم المدني قال: ( أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عامر بن سعد) بسكون العين ( عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة أنه ( قال: جاءنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يعودني من وجع) أي بسبب وجع أو لأجل وجع ( اشتدّ بي زمن حجة الوداع) بمكة ( فقلت) يا رسول الله ( بلغ بي من الوجع ما ترى) يصح على مذهب ابن مالك والكوفيين أن تكون من زائدة في الإثبات أي بلغ بي الوجع ما ترى وفي التنزيل { وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40] { وقد بلغت من الكبر} [مريم: 8] والرؤية بصرية مفعولها هو العائد على ما ومتى جعلنا الفاعل ما وصلتها كان التقدير بلغ بي ما تراه، ويحتمل أن يكون الفاعل محذوفًا يدل عليه قوله من الوجع، والتقدير بلغ بي جهد من الوجع ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه قال ابن مالك وهذا الحذف يكثر قبل من لدلالتها على التبعيض ومنه قوله تعالى: { ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] أي ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين.
( وأنا ذو مال) في موضع الحال من ضمير النبي في ترى والرابط واو الحال أو من فاعل اشتد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ( ولا يرثني) بالفرض ( إلا ابنة لي) هي أم الحكم الكبرى ( أفأتصدق بثلثي مالي) ؟ الهمزة للاستفهام والفعل معها مستفهم عنه والفاء عاطفة وقيل زائدة وكان حقها التقديم لكن عارضها الاستفهام وله صدر الكلام ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( لا) حرف جواب وهي بمعناها تسدّ مسد الجملة أي لا تتصدق بكل الثلثين قال سعد ( قلت بالشطر) بالجار والمراد به النصف كما في الرواية الأخرى ولأبي ذر فالشطر بالفاء الموحدة رفع على الابتداء والخبر محذوف أي فالشطر أتصدق به ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا) قال سعد ( قلت: الثلث؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ( الثلث كثير) ، ولأبي ذر قال: لا الشك والثلث كثير فأسقط قلت وقال وزاد والثلث أي: الثلث تصدّق به والثلث كثير مبتدأ وخبر ( أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ولأبي ذر عن الكشميهني: إنك أن تذر بالذال المعجمة وهمزة أن مفتوحة على الروايتين فهي مصدرية ناصبة للفعل والموضع رفع بالابتداء وخير خبره والجملة خبر أن من قوله إنك، ويجوز كسر إن فهي حرف شرط فالفعل بعدها مجزوم وحينئذٍ فجواب الشرط محذوف أي فهو خير فيكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بالفاء وأبقى الخبر.
قال ابن مالك: وهذا فيما زعم
النحويون مخصوص بالضرورة وليس كذلك بل أكثر استعماله في الشعر وقلّ في غيره فمن وروده في غير الشعر قراءة طاوس { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} [البقرة: 0] أي فهو خير قال: وهذا وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط فإن الأمر مضمن معنى الشرط فكان ذلك بمنزلة التصريح بها في استحقاق الجواب واستحقاق اقترانه بالفاء لكونه جملة اسمية ومن خص هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق وقوله عالة بتخفيف اللام جمع عائل وهو الفقير أي أن تتركهم أغنياء خير من أن تتركهم فقراء حال كونهم ( يتكففون الناس) يبسطون إليهم أكفّهم بالسؤال ( ولن تنفق نفقة تبتغي) تطلب ( بها وجه الله) ثوابه ونفقة هنا بمعنى منفقًا والمنفق اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق ( ألا أجرت عليها) بضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسم فاعله أي أعطاك الله بها أجرًا ( حتى ما تجعل في فِي امرأتك) أي فمها، ففي الأولى حرف والثانية اسم وحتى للغاية وهي هنا داخلة على الاسم وهو ما الموصولة وصلتها، والتقدير حتى الذي تجعله ويجوز أن تكون حرف ابتداء فتكون الصلة والموصول في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف والتقدير حتى الذي تجعله في فِي امرأتك تؤجر عليه وخص الزوجة بالذكر لعود منفعتها التي هي سبب الإنفاق عليه، والمعنى أن المباح يصير طاعة مثابة إذا قصد به وجه الله تعالى.

وهذا الحديث سبق في كتاب الوصايا.