فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الدواء بالعسل

باب الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}
( باب الدواء بالعسل) .

هو لعاب النحل أو طل خفي يقع على الزهر وغيره فتلقطه النحل وقيل بخار يصعد فينضج في الجو فيستحيل ويغلظ في الليل ويقع عسلاً فتجتنيه النحل وتتغذى به فإذا شبعت جنت منه مرة أخرى ثم تذهب به إلى بيوتها وتضعه هناك لأنها تدخر لنفسها غذاءها فهو العسل وقيل إنها تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق العطرة فيقلب الله تعالى تلك الأجسام في داخل أبدانها عسلاً، ثم إنها تقيء ذلك فهو العسل وجمعه أعسال وعسل وعسول وعسلان والعاسل والعسال مشتاره من موضعه، وللعسل أسماء ذكرها ومنافعها المجد الشيرازي مؤلف القاموس في مؤلف في استقصائها طول يخرجنا عن الاختصار وأصلحه الربيعي ثم الصيفي وأما الشتائي فرديء وما يؤخذ من الجبال والشجر أجود مما يؤخذ من الخلايا وهو بحسب مرعاه، ومن العجيب أن النحلة تأكل من جميع الأزهار ولا يخرج منها إلا حلوًا مع أن أكثر ما تجتنيه مر وطبع العسل حار يابس في الدرجة الثانية جلاء للأوساخ التي في العروق والمعي وغيرها محلل للرطوبات أكلاً وطلاءً نافع للمشايخ ولأصحاب البلغم ولمن كان مزاجه باردًا رطبًا فالمبرود يستعمله وحده لدفع البرد والمحرور مع غيره لدفع الحرارة وهو جيد للحفظ يقوي البدن ويحفظ صحته ويسمنه ويقوي الإنعاظ ويزيد في الباءة للمبرودين والتغرغر به ينقي الخوانيق وينفع من الفالج واللقوة والأوجاع الباردة الحادثة في جميع البدن من الرطوبات واستعماله على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة ويقويها ويسخنها إسخانًا معتدلاً ويبيض الأسنان استنانًا ويحفظ صحتها والتلطخ به يقتل القمل ويطول الشعر وينفع للبواسير ويحفظ اللحم ثلاثة أشهر وخواصه كثيرة.

( و) يكفيه فضلاً ( قول الله تعالى { فيه} ) أي في العسل ( { شفاء للناس} ) [النحل: 69] من أدواء تعرض لهم، قيل ولو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء لكنه قال: فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار والشيء يداوى بضده، وقول مجاهد بن جبر فيه أي في القرآن قول صحيح في نفسه، لكن ليس هو الظاهر من سياق الآية لأنها إنما ذكر فيها العسل ولم يتابع مجاهد على قوله هذا وقال الحافظ ابن كثير وروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحفة وليغسلها بماء السماء وليأخذ من امرأته درهمًا عن طيب نفس منها فليشتر به عسلاً فليشربه لذلك فإنه شفاء، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند حسن بلفظ إذا اشتكى أحدكم فليستوهب من امرأته من صداقها فليشتر به عسلاً ثم يأخذ ماء السماء، يجمع هنيئًا مريئًا شفاءً مباركًا.


[ قــ :5382 ... غــ : 5682]
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنِى هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ.

وبه قال ( حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: ( أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع ( هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الحلواء) بالمد ( والعسل) وقد دخل في قولها الحلواء العسل وإنما ثنت به على انفراده لشرفه كقوله تعالى: { وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] فما خلق الله تعالى لنا في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه لأنه غذاء من الأغذية وشراب من الأشربة ودواء من الأدوية وحلو من الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات.

فإن قلت: ما مناسبة الحديث للترجمة؟ أجيب: بأن الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء والغذاء فتؤخذ المناسبة بذلك.




[ قــ :5383 ... غــ : 5683 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ - أَوْ يَكُونُ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ - خَيْرٌ فَفِى شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ».
[الحديث 5683 - أطرافه في: 5697، 570، 5704] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكن قال ( حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) حنظلة بن أبي عامر الأويسي الأنصاري ( عن عاصم بن عمر بن قتادة) بضم العين التابعي الصغير أنه ( قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم)
والشك من الراوي، قال السفاقسي: قوله أو يكون صوابه أو يكن لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزومًا.
قال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية أحمد إن كان أو يكن، فلعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوًا فأثبتها، ويحتمل أن يكون التقدير إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء فيكون التردّد لإثبات لفظ يكون وعدمها ( أو شربة عسل) وعند أبي نعيم في الطب من حديث أبي هريرة وابن ماجة من حديث جابر بسند ضعيف عندهما رفعاه من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء ( أو لذعة) بذال معجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة حرق ( بنار) حال كونه يتحقق أنها ( توافق الداء) فتزيله فلا يشرع المكي عند ظن ذلك لما فيه من الخطر ( وما أحب أن أكتوي) هو مثل ترك أكله الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه.




[ قــ :5384 ... غــ : 5684 ]
- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَخِى يَشْتَكِى بَطْنَهُ: فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.
[الحديث 5684 - طرفه في: 5716] .

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد ( عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية وشين معجمة النرسي بنون مفتوحة وراء ساكنة وسين مهملة قال: ( حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قال: ( حدّثنا سعيد) بن أبي عروبة ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أبي المتوكل) الناجي بالنون والجيم ( عن أبي سعيد) سعد الخدري ( أن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) : يا رسول الله ( أخي) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم واحد منهما ( يشتكي بطنه) من إسهال حصل له من تخمة أصابته ولمسلم قد عرب بطنه بعين مهملة وراء مكسورة فموحدة أي فسد هضمه واعتلت معدته وفي باب العذرة فاستطلق بطنه أي أكثر خروج ما فيه يريد الإسهال ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اسقه عسلاً) صرفًا وممزوجًا فسقاه فلم يبرأ ( ثم أتى) الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر: ثم أتاه ( الثانية) فقال: إني سقيته فلم يزدد إلا استطلاقًا ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( اسقه عسلاً) ليدفع الفضول المجتمعة من نواحي معدته ومعاه بما فيه من الجلاء ودفع الفضول فسقاه فلم يبرأ لكونه غير مقاوم للداء في الكمية ( ثم أتاه الثالثة) فقال: إني سقيته فلم يبرأ ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( اسقه عسلاً) وقوله ثم أتاه الثالثة إلى آخره ثابت لأبي ذر ( ثم أتاه فقال: فعلت) فلم يبرأ ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( صدق الله) حيث قال فيه شفاء للناس ( وكذب بطن أخيك) إذ لم يصلح لقبول الشفاء بل زلّ عنه قال بعضهم فيه إن الكذب قد يطلق على عدم المطابقة في غير الخبر.
قال في المصابيح وهو على سبيل الاستعارة التبعية وفيه إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ( اسقه عسلاً.
فسقاه)
في الرابعة ( فبرأ) بفتح الراء لأنه لما تكرر استعمال الدواء قاوم الداء فأذهبه فاعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب.
قال في زاد المعاد: وليس طبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كطب الأطباء فإن طبه عليه الصلاة والسلام متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره حدث وظنون وتجارب.

وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في الطب وكذا الترمذي والنسائي.