فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الطيرة

باب الطِّيَرَةِ
( باب الطيرة) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية التشاؤم بالشيء، وأصل ذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة فإن رأى الطير طار عن يمينه تيمن به واستمر وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع وربما كانوا يهيجون الطير ليطير فيعيدون ذلك ويصح معهم في الغالب ليزين الشيطان لهم ذلك وبقيت بقايا من ذلك في كثير من المسلمين فنهى الشرع عن ذلك، وفي حديث إسماعيل بن أمية عند عبد الرزاق عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثلاثة لا يسم منهن أحد الطيرة والظن والحسد فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق".
وهذا كما في الفتح مرسل أو معضل لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب.
وفي حديث أبي هريرة بسند لين عند ابن عدي مرفوعًا: "إذا تطيرتم فامضوا وعلى اللِّه فتوكلوا".
وفي حديث ابن عمر موقوفًا: "من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك".
رواه البيهقي في الشعب.


[ قــ :5445 ... غــ : 5753 ]
- حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ وَالشُّؤْمُ فِى ثَلاَثٍ: فِى الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: ( حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن سالم) أي ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا عدوى) هي هنا مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره يقال أعدى فلان فلانًا من علة به وذلك على ما يذهب إليه المتطببة في الجذام والبرص والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية والأكثرون على أن المراد نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث ( ولا طيرة) في القاموس والطيرة والطيرة والطورة ما يتشاءم به من الفأل الرديء اهـ.

ولما نفى الطيرة بطريق العموم كما نفى العدوى أثبت الشؤم في ثلاثة فقال: ( والشؤم) بالهمزة الساكنة ضد اليمين ( في ثلاث) وعند أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص وإن كانت الطيرة في شيء وقال الخطابي: وكثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا في هذه الأشياء قال الطيبي: يحتمل أن يكون الاستثناء على حقيقته وتكون هذه الأشياء خارجة عن حكم المستثنى منه أي الشؤم ليس إلا في هذه الأشياء كما في مسلم إنما الشؤم في ثلاثة ( في المرأة) بأن لا تلد وأن تكون لسناء ( والدار) بأن تكون ضيقة سيئة الجيران ( والدابة) بأن لا يغزى عليها.
وقال القاضي: تعقيب قوله ولا طيرة بهذه الشرطية أي في رواية وإن كانت الطيرة تدل عليها أن الشؤم أيضًا منفي عنها والمعنى أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء لها لكن لا وجود لها فيها فلا وجود لها أصلاً اهـ.

قال في شرح المشكاة: فعلى هذا فالشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهية التي سببها ما في هذه الأشياء من مخالف الشرع اهـ.

ويحتمل أن يكون المراد عدم موافقتها له طبعًا ويؤيده في شرح السُّنّة كأنه يقول إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا تعجبه فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلّق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جواب من قال يا رسول الله إنّا كنّا في دار كثير فيها عددنا الخ: ذروها فإنها ذم - باميمة فأمرهم بالتحوّل عنها لأنهم كانوا فيها على استثقال واستيحاش فأمرهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالانتقال عنها ليزول عنهم ما يجدون من الكراهة لأنه سبب في ذلك انتهى.

وحديث الباب أخرجه النسائي في عِشرَة النساء.




[ قــ :5446 ... غــ : 5754 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ» قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لا طيرة وخيرها) أي خير الطيرة ( الفأل) بالهمز الساكن بعد الفاء.
قال في القاموس: الفال ضد الطيرة ويستعمل في الخير والشر ( قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) كالمريض يسمع يا سالم وطالب الحاجة يا واجد وفي حديث عروة بن عامر عند أبي داود قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "خيرها الفأل ولا تردّ مسلمًا فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلاّ بالله".

وبقية مباحث الحديث تأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.