فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب السحر

باب السِّحْرِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وَقَوْلِهِ: { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وَقَوْلِهِ: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا
تَسْعَى}
وَقَوْلِهِ: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ} .
وَ { النَّفَّاثَاتُ} : السَّوَاحِرُ، { تُسْحَرُونَ} : تُعَمَّوْنَ.

( باب السحر) بكسر السين وسكون الحاء المهملتين وهو أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة لا تتعذر معارضته واختلف هل له حقيقة أم لا.
والصحيح وهو الذي عليه الجمهور أن له حقيقة، وعلى هذا فهل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعًا من الأمراض أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيوانًا مثلاً وعكسه، فالذي عليه الجمهور وهو الأول وفرقوا بين المعجزة والكرامة والسحر بأن السحر يكون بمعاناة أحوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبًا اتفاقًا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، وقال القرطبي: الحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر وفي الأبدان بالألم والسقم وإنما المنكر أن الجماد ينقلب حيوانًا أو عكسه بسحر الساحر.

( وقوله تعالى) : بالجر عطفًا على المجرور السابق ( { ولكن الشياطين كفروا} ) باستعمال السحر وتدوينه ( { يعلمون الناس السحر} ) أي كفروا معلمين الناس السحر قاصدين به إغوائهم وإضلالهم والواو في ولكن عاطفة جملة الاستدراك على ما قبلها ( { وما أنزل على الملكين} ) ما موصول بمعنى الذي في موضع نصب عطفًا على السحر أي يعلمون الناس السحر والمنزل على الملكين أو عطفًا على ما تتلو الشياطين أي واتبعوا ما تتلو الشياطين وما أنزل على الملكين وعلى هذا فما بينهما اعتراض أو ما نفي والجملة معطوفة على الجملة النفية قبلها وهي ما كفر سليمان أي وما أنزل على الملكين إباحة السحر.
قال القرطبي: ما نفي والواو للعطف على قوله تعالى: وما كفر والتقدير وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ( { ببابل} ) اسم أرض وهي بابل العراق وسميت بذلك لتبلبل الألسن بها عند سقوط صرح نمروذ وقيل إن الله تعالى أمر ريحًا يحشرهم بهذه الأرض فلم يدر أحدهم ما يقول الآخر ثم فرقهم الريح في البلاد فتكلم كل أحد بلغته وهو متعلق بأنزل والباء بمعنى في أي في بابل ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال من الملكين أو من الضمير في أنزل فيتعلق بمحذوف ( { هاروت وماروت} ) بدل من الملكين وجرّا بالفتحة لأنهما لا ينصرفان للعجمة والعلمية أو عطف بيان ( { وما يعلمان} ) هاروت وماروت ( { من أحد} ) الظاهر أنه الملازم للنفي وهمزته أصل بنفسها وأجاز أبو البقاء أن يكون بمعنى واحد فتكون همزته بدلاً من واو ( { حتى يقولا} ) حتى ينبهاه وينصحاه يقولا له ( { وإنما نحن فتنة فلا تكفر} ) أي ابتلاء واختيار من الله تعالى ليتميز المطيع من العاصي كقولك: فتنت الذهب بالنار إذا عرضته عليها ليتميز الخالص من المشوب ( { فيتعلمون} ) عطف على وما يعلمان والضمير في فيتعلمون لما دل عليه من أحد أي فيتعلم الناس ( { منهما} ) من الملكين ( { ما} ) أي الذي ( { يفرقون بين المرء وزوجه} ) وهو علم السحر الذي يكون سببًا في التفريق بين الزوجين بأن يحدث الله عنده النشوز والخلاف ابتلاء منه وللسحر حقيقة عند أهل السُّنَّة وعند
المعتزلة هو تخييل وتمويه، وقيل التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق فيصير كافرًا وإذا صار كافرًا بانت منه زوجته ( { وما هم بضارين به} ) بالسحر ( { من أحد إلا بإذن الله} ) ما حجازية فهم اسمها وبضاري خبرها والباء زائدة فهو في محل نصب أو تميمية فهم مبتدأ أو بضارين خبره والباء زائدة أيضًا فهو في محل رفع والضمير فيه عائد على السحرة العائد عليهم ضمير فيتعلمون أو على اليهود العائد عليهم ضمير واتبعوا أو يعود على الشياطين والضمير في به يعود على ما في قوله ما يفرقون به، وقوله إلا بإذن الله استثناء مفرغ من الأحوال فهو في موضع نصب على الحال وصاحبه الفاعل المستكن في بضارين أو المفعول وهو أحد لجواز مجيء الحال من النكرة لاعتمادها على النفي أو الهاء في به أي بالسحر والتقدير وما يضرون أحدًا بالسحر إلا ومعه علم الله أو مقرونًا بإذن الله ونحو ذلك.

فإن قلت الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر لأنه ذمهم عليه ولو أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه.
أجيب: بأن المراد منه التخلية يعني إذا سحر الإنسان فإن شاء الله منعه منه وإن شاء خلى بينه وبين ضرر السحر أو المراد إلا بعلم الله ومنه سمي الأذان لأنه إعلام بدخول الوقت أو أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله ( { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} ) في الآخرة لأنهم يقصدون الشر ( { ولقد علموا} ) هؤلاء اليهود ( { لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} ) [البقرة: 102] من نصيب واستعير لفظ الشراء لوجهين.

أحدهما: أنهم لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأقبلوا على التمسك بما تتلو الشياطين فكأنهم اشتروا السحر بكتاب الله.

وثانيهما: أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه وهؤلاء أبدلوا ذلك الاحتراز بالوصول إلى منافع الدنيا، وسقط في رواية أبي ذر { وما يعلمان} إلى آخره، وقال بعد قوله: { وماروت} الآية.
وقال في رواية ابن عساكر إلى قوله: { من خلاق} واختلف في المراد بالآية فقيل إن قوله: واتبعوا هم اليهود الذين كانوا زمن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل: هم الذين كانوا في زمن سليمان عليه الصلاة والسلام من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان عليه السلام ويدعونه من جملة ملوك الدنيا وهؤلاء ربما اعتقدوا فيه أنه إنما وجد الملك العظيم بسبب السحر، وقيل: إنه يتناول الكل وهو أولى، واختلف في المراد بالشياطين فقيل: شياطين الإنس، وقيل: هم شياطين الإنس والجن، قال السدي: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقولها إلى الكهنة فدوّنوها في الكتب وعلموها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان فقالوا: إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح التي تجري بأمره، وأما القائلون بأنهم شياطين الإنس فقالوا: روي أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد دفن كيرًا من العلوم التي خصّه الله بها تحت سرير ملكه خوفًا على أنه إن هلك الظاهر يبقى ذلك المدفون، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من
المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه إنما وصل إلى ما وصل بسبب هذه الأشياء وإنما أضافوا السحر لسليمان تفخيمًا لشأنه وترغيبًا للقوم في قبول ذلك، وقيل: إنه تعالى لما سخر الجن لسليمان وكان يخالطهم ويستفيد منهم أسرارًا عجيبة غلب على الظنون أنه عليه الصلاة والسلام استفاد السحر منهم بقوله تعالى: { وما كفر سليمان} [البقرة: 102] تنزيه له عليه السلام عن الكفر، وروي أن بعض الأحبار من اليهود قال: ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيًّا وما كان إلا ساحرًا فأنزل الله هذه الآية قاله في اللباب.

( وقوله تعالى) : بالجر عطفًا على المجرور السابق ( { ولا يفلح الساحر} ) أي هذا الجنس ( { حيث أتى} ) [طه: 69] أينما كان.
وقال الراغب: حيث عبارة عن مكان مهم يشرح بالجملة التي بعده كقوله تعالى: { وحيثما كنتم} [البقرة: 144] { ومن حيث خرجت} [البقرة: 149] ( وقوله) عز وجل: ( { أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3] أي إنهم كانوا يعتقدون أن الرسول لا يكون إلا ملكًا وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر؛ ولذا قال قائلهم منكرًا على من اتبعه: أفتأتون السحر أي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتّبع السحر وهو يعلم أنه سحر.
( وقوله) تعالى: ( { يخيل إليه} ) إلى موسى ( { من سحرهم أنها} ) أي العصيّ ( { تسعى} ) [طه: 66] لأنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتمتد بحيث يخيل للناظرين أنها تسعى باختيارها وإنما كان حيلة وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كثيرًا فألقى كلٌّ منهم عصًا وحبلاً حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا ولا حجة فيها للقائل إن السحر تخييل لأنها وردت في هذه القصة وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل ( وقوله) تعالى: { ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: 4] .
و { النفاثات} )
: النساء ( السواحر) أو النفوس أو الجماعات اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط وينفثن عليها ويرقين وفيه دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر، وقوله تعالى: في سورة المؤمنون ( { تسحرون} ) [المؤمنون: 89] أي ( تعمون) بضم أوله وفتح الميم وقال ابن عطية: السحر هنا مستعار لما وقع من التخليط ووضع الشيء في غير موضعه.


[ قــ :5454 ... غــ : 5763 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِى أَىِّ شَىْءٍ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ» فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ: «يَا
عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ».
.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ؟ قَالَ: «قَدْ عَافَانِى اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا».
فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ.
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ،.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، يُقَالُ: الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ وَالْمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ قال: ( أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أحد الأعلام في الحفظ والعبادة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: سحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من بني زريق) بضم الزاي وفتح الراء آخره قاف ( يقال له لبيد بن الأعصم) بفتح اللام وكسر الموحدة والأعصم بالعين والصاد المهملتين بوزن الأحمر، وفي مسلم أنه يهودي من بني زريق ( حتى كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله) ثبت قوله إنه كان في رواية أبي ذر، وفي رواية ابن عيينة في الباب التالي كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وحينئذ فلا تمسك لبعض المبتدعة بقوله: إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله الزاعم أن الحديث باطل لاحتمال أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثمة، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء.
قال المازري: وهذا كله مردود فقد قام الدليل على صدقه عليه الصلاة والسلام فيما يبلغه عن الله وعلى عصمته في التبليغ فما حصل له من ضرر السحر ليس نقصًا فيما يتعلق بالتبليغ بل هو من جنس ما يجوز عليه من سائر الأمراض ( حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة) من إضافة المسمى إلى الاسم أو ذات مقحمة للتأكيد والشك من الراوي ( وهو عندي لكنه دعا ودعا) أي لكنه لم يكن مشتغلاً بي بل بالدعاء والمستدرك منه هو قوله وهو عندي أو قوله كان يخيل إليه أي كان السحر أثر في بدنه لا في عقله وفهمه بحيث إنه توجه إلى الله تعالى ودعا على الوضع الصحيح والقانون المستقيم قاله في الكواكب الدراري ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( يا عائشة أشعرت) أي أعلمت ( أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه) أي أجابني فيما دعوته أو المعنى أجابني عما سألته عنه لأن دعاءه كان أن يطلعه على حقيقته ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر ( أتاني رجلان) أي ملكان كما عند الطبراني وعند ابن سعد في رواية منقطعة أنهما جبريل وميكائيل ( فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) جزم الدمياطي في سيرته بأن الذي قعد عند رأسه جبريل ( فقال أحدهما) وهو جبريل أو ميكائيل قيل: وهو أصوب ( لصاحبه ما وجع الرجل) ؟ أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال: مطبوب) بالطاء المهملة الساكنة والباءين الموحدتين أي مسحور قيل كنّوا عن السحر بالطب تفاؤلاً كما قالوا للديغ سليم ( قال: من طبه) ؟ من سحره ( قال) طبه ( لبيد بن الأعصم.
قال: في أي شيء)
؟ طبه ( قال: في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة الآلة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية ( ومشاطة) بضم الميم وفتح المعجمة مخففة وبعد الألف طاء مهملة ما يخرج من الشعر عند التسريح، وفي حديث ابن عباس من شعر رأسه ومن أسنان مشطه ورواه البيهقي
( وجف طلع نخلة) بضم الجيم وتشديد الفاء الغشاء الذي يكون على الطلع ويطلق على الذكر والأنثى فلذا قيده بقوله ( ذكر) بالتنوين كنخلة على أن لفظ ذكر صفة للجف وللمستملي وجب بالموحدة بدل الفاء وهما بمعنى واحد، وقال القرطبي: إنه بالموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري قاله شمر وللكشميهني وجف بالفاء طلعة بتاء تأنيث منوّنة ( قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان) بفتح المعجمة وسكون الراء ولمسلم من رواية ابن نمير في بئر ذي أروان بالهمزة وصوّبه أبو عبيد البكري ( فأتاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ناس من أصحابه) وعند ابن سعد من حديث ابن عباس فبعث إلى عليّ وعمار فأمرهما أن يأتيا البئر وعنده أيضًا في مرسل عمران بن الحكم فدعا جبير بن إياس الزرقي وهو ممن شهد بدرًا فدله على موضعه في بئر ذروان فاستخرجه قال: ويقال إن الذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي.
قال في الفتح: ويجمع بأنه أعان جبيرًا على ذلك وباشر بنفسه فنسب إليه وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجههم أولاً ثم توجه فشاهدها بنفسه ( فجاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن رجع إلى عائشة ( فقال: يا عائشة كان ماءها نقاعة الحناء) بضم النون وتخفيف القاف والحناء بكسر الحاء المهملة والمد يعني أن ماء البئر أحمر كالذي ينقع فيه الحناء يعني أنه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه ( وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين) في التناهي في كراهتها وقبح منظرها وقيل الشياطين حيات عرفاء قبيحة المنظر هائلة جدًّا قالت عائشة: ( قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال) : لا ( قد عافاني الله) منه ( فكرهت أن أثوّر) بضم الهمزة وفتح المثلثة وكسر الواو المشددة ( على الناس فيه) وللكشميهني منه ( شرًّا) من تذكير المنافقين السحر وتعلمه ونحو ذلك فيؤذون المؤمنين وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة ( فأمر بها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبئر ( فدفنت.
تابعه)
أي تابع عيسى بن يونس ( أبو أسامة) حماد بن أسامة فيما وصله المؤلّف بعد بابين ( وأبو ضمرة) بالضاد المعجمة المفتوحة وإسكان الميم بعدها راء أنس بن عياض الليثي المدني فيما وصله المؤلّف في الدعوات ( وابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان.
قال في فتح الباري: ولم أعرف من وصلها الثلاثة ( عن هشام) أي ابن عروة وعند ابن عساكر زيادة ومشط ومشافة أي بالقاف.

( وقال الليث) بن سعد الإمام مما سبق في بدء الخلق ( وابن عيينة) سفيان مما وصله بعد باب ( عن هشام في مشط ومشاقة) بالقاف بدل الطاء ( يقال) ولأبي ذر ويقال ( المشاطة) بالطاء ( ما يخرج من الشعر إذا مشط) بضم الميم وكسر المعجمة أي سرح شعر الرأس أو اللحية بالمشط ( والمشاقة) بالقاف ( من مشاقة الكتان) عند تسريحه.