فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التقنع

باب التَّقَنُّعِ.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ،.

     وَقَالَ  أَنَسٌ: عَصَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ
( باب التقنع) بفتح الفوقية والقاف وضم النون مشددة بعدها عين مهملة وهو تغطية الرأس قاله الكرماني وزاد في الفتح وأكثر الوجه برداء أو غيره.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما سبق موصولاً مطوّلاً في مناقب الأنصار وغيره ( خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه عصابة دسماء) بفتح الدال وسكون السين المهملتين ممدودة أي سوداء.

( وقال أنس) -رضي الله عنه- مما يأتي موصولاً مطوّلاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى ( عصب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتخفيف الصاد المهملة ( على رأسه حاشية برد) أي جانبه وتعقب الإسماعيلي المصنف بأن ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنع إذ التقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة.
وأجاب في فتح الباري: بأن الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة وتعقبه العيني بأن قوله زائد لا فائدة فيه وكذا قوله العمامة لأنه يلزم منه أنها إذا كانت تحت العمامة لا تسمى عصابة وبأن قول الإسماعيلي في أصل الاعتراض والعصابة شد الخرقة على ما
أحاط بالعمامة ليس كذلك بل العصب شد الرأس بخرقة مطلقًا، وقد ذكر في الانتقاض ذلك ولم يجب عنه.


[ قــ :5494 ... غــ : 5807 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى».
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ تَرْجُوهُ بِأَبِى أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصُحْبَتِهِ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِى بَيْتِنَا فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَقَالَ قَائِلٌ لأَبِى بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقْبِلاً مُتَقَنِّعًا فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَهُ بِأَبِى وَأُمِّى وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ، فَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لأَبِى بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ».
قَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنِّى قَدْ أُذِنَ لِى فِى الْخُرُوجِ».
قَالَ: فَالصُّحْبَةُ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ: فَخُذْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَىَّ هَاتَيْنِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِالثَّمَنِ».
فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِى جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ، ثُمَّ لَحِقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِى رِسْلِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِى الثَّلاَثِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) التميمي الفراء الصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة رضي الله عنه) أنها ( قالت: هاجر إلى الحبشة رجال) ولأبي ذر: هاجر ناس إلى الحبشة ( من المسلمين، وتجهز أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- حال كونه ( مهاجرًا فقال) له ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة على هينتك أي اتئد ( فإني أرجو أن يؤذن لي) في الهجرة ( فقال) ولأبي ذر قال ( أبو بكر: أو ترجوه) ؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري وفتح الواو أي أترجو الإذن في الهجرة مفدى ( بأبي أنت.
قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( نعم) أرجوه ( فحبس أبو بكر) - رضي الله عنه ( نفسه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصحبته) فلم يهاجر حينئذٍ ( وعلف راحلتين) تثنية راحلة وهي من الإبل
القوي على الأسفار والأحمال لما فيها من النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر والذكر والأنثى في ذلك سواء والهاء للمبالغة ( كانتا عنده ورق السمر) بفتح السين وضم الميم شجر الطلح ( أربعة أشهر قال عروة) بالسند السابق ( قالت عائشة) -رضي الله عنها-: ( فبينما) بالميم ( نحو يومًا جلوس) جالسون ( في بيتنا في نحر الظهيرة) بالنون المفتوحة وسكون الحاء المهملة والظهيرة بفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء أي أول الهاجرة ( فقال قائل لأبي بكر) -رضي الله عنه- ( هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( مقبلاً متقنعًا) أي مغطيًا رأسه ( في ساعة لم يكن) عليه الصلاة والسلام ( يأتينا فيها.
قال أبو بكر)
-رضي الله عنه- ( فدًا) منوّن بغير همز ( له) أفديه ( بأبي وأمي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مصححًا عليه في الفرع لك بكاف الخطاب أبي وأمي ( والله إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر) بكسر اللام أي لأجل أمر فإن نافية ولغير الكشميهني لأمر بفتح اللام والرفع فاللام للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة ( فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذن) في الدخول ( فأذن له) أبو بكر -رضي الله عنه- ( فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء ( من عندك) في موضع نصب على المفعولية ( قال) أبو بكر -رضي الله عنه- ( إنما هم أهلك) وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد عقد على عائشة -رضي الله عنها- ( بأبي) أفديك ( أنت يا رسول الله.
قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فإني قد أذن لي في الخروج) من مكة إلى المدينة ( قال) أبو بكر -رضي الله عنه- ( فالصحبة) أي أطلب الصحبة ولغير أبي ذر فالصحبة بالرفع أي فالصحبة أجرها لي أفديك ( بأبي أنت) زاد أبو ذر وأمي ( يا رسول الله قال) عليه الصلاة والسلام ( نعم.
قال)
أبو بكر: ( فخذ بأبي) أفديك ( أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
: آخذها ( بالثمن.
قالت)
عائشة -رضي الله عنها- ( فجهزناهما أحث الجهاز) بفتح الجيم أي أسرعه ولأبي ذر عن الكشميهني أحب بالموحدة بدل المثلثة قال الحافظ ابن حجر وأظنه تصحيفًا ( ووضعنا) بضاد معجمة بعدها عين مهملة ولأبي ذر وصنعنا بصاد مهملة فنون مفتوحتين فعين ( لهما سفرة) بضم السين المهملة وسكون الفاء يأكلان عليها ( في جراب) بكسر الجيم ( فقطعت أسماء بنت أبي بكر) -رضي الله عنها- ( قطعة من نطاقها) بكسر النون.
قال في القاموس: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها فترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر على الأرض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان وانتطقت لبستها ( فأوكت) شدت، ولأبي ذر: فأوكأت بزيادة همزة بعد الكاف ( به) بما قطعته من نطاقها ( الجراب، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذات النطاقين بالتثنية قال في القاموس لأنها شقت نطاقها فجعلت واحدة لسفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأخرى عصامًا لقربته وكذا قال الكرماني وزاد أو لأنها جعلته نطاقين نطاقًا للجراب وآخر لنفسها.

( ثم لحق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- ( بغار في جبل يقال له ثور) بالمثلثة المفتوحة وواو ساكنة فراء ( فمكث) وأبو بكر -رضي الله عنه- ( فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر) شقيق أسماء بنت أبي بكر ( وهو غلام شاب لقن) بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون سريع الفهم ( تقف) بفتح المثلثة وكسر القاف بعدها فاء حاذق فطن ( فيرحل) بالراء والحاء
المهملة ( من عندهما سحرًا) وقال الكرماني وفي بعضها فيدخل بالدال المهملة والخاء المعجمة أي مكة متوجهًا إليها من عندهما بحرًا ( فيصبح مع قريش بمكة كبائت) معهم بمكة ( فلا يسمع) منهم ( أمرًا يكادان) بضم التحتية أي يمكران ( به إلا وعاه) حفظه وضبطه ( حتى يأتيهما بخبر ذلك) الذي سمع منهم من الكيد الذي يريدون فعله ( حين يختلط الظلام ويرعى عليهما) صلّى الله وسلم عليهما ( عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وسكون التحتية بعدها راء ( مولى أبي بكر) -رضي الله عنهما- وكان عامر أحد السابقين لىإ الإسلام ممن عذب في الله ( منحة من غنم) بكسر الميم وسكون النون بعدها حاء مهملة شاة يعطيها الرجل غيره ليحلبها ثمّ يردها إليه ( فيريحها) بالحاء المهملة فيردها إلى المراح ( عليهما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيريحه بتذكير الضمير أي يريح الذي يرعاه على رسول الله وأبي بكر -رضي الله عنه- ( حين تذهب ساعدة من العشاء فيبيتان في رسلها) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي لبن المنحة ( حتى ينعق) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فعين مهملة فقاف أي يصيح ( بها) بالمنحة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي رسلهما وبهما بالتثنية فيهما ( عامر بن فهيرة بغلس) في ظلمة آخر الليل ( يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث) .

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله متقنعًا وسبق بهذا الإسناد مختصرًا في باب استئجار المشركين عند الضرورة من كتاب الإجارة ومطوّلاً جدًّا في باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل.