فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط

باب مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْبُسْطِ
( باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجوّز) بالجيم من التجوّز أي يتوسع ( من اللباس والبسط) فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه، ولأبي ذر عن الكشميهني: يتحرى بحاء مهملة بعدها راء كذا في الفرع وقال في الفتح: وتبعه العيني بالجيم والزاي المفتوحة المشددة.
قال العيني: وما أظنه صحيحًا إلاّ بالحاء المهملة والراء.


[ قــ :5529 ... غــ : 5843 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ فَنَزَلَ يَوْمًا مَنْزِلاً فَدَخَلَ الأَرَاكَ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ثُمَّ قَالَ: كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِى شَىْءٍ مِنْ أُمُورِنَا، وَكَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ امْرَأَتِى كَلاَمٌ، فَأَغْلَظَتْ لِى فَقُلْتُ لَهَا: وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ قَالَتْ: تَقُولُ هَذَا لِى وَابْنَتُكَ تُؤْذِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّى أُحَذِّرُكِ أَنْ تَعْصِى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِى أَذَاهُ فَأَتَيْتُ أُمَّ
سَلَمَةَ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ: أَعْجَبُ مِنْكَ يَا عُمَرُ قَدْ دَخَلْتَ فِى أُمُورِنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَزْوَاجِهِ، فَرَدَّدَتْ وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ أَتَانِى بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأْمِ كُنَّا نَخَافُ أَنْ يَأْتِيَنَا فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ بِالأَنْصَارِىِّ وَهْوَ يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ،.

قُلْتُ لَهُ: وَمَا هُوَ أَجَاءَ الْغَسَّانِىُّ؟ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فَجِئْتُ فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهَا كُلِّهَا وَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ صَعِدَ فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِى، فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِذَا أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ، وَقَرَظٌ فَذَكَرْتُ الَّذِى.

قُلْتُ لِحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالَّذِى رَدَّتْ عَلَىَّ أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَبِثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم ( عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين مصغرين مولى زيد بن الخطاب ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعاونتا عليه بما كسبتاه من الإفراط في الغيرة وإفشاء السر ( فجعلت أهابه) زاد في التفسير حتى خرج حاجًّا فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق ( فنزل يومًا منزلاً) بمز الظهران ( فدخل الأراك) لقضاء الحاجة ( فلما خرج) بعد قضاء حاجته ( سألته) عن ذلك ( فقال) هما ( عائشة وحفصة، ثم قال) عمر- رضي الله عنه- ( كنا في الجاهلية لا نعدّ النساء شيئًا فلما جاء الإسلام وذكرهن الله) بنحو قوله: { وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] ( رأينا لهن بذلك) الذي ذكرهن الله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بذاك بغير لام ( علينا حقًّا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي) بفتح الظاء المعجمة وسكون الفوقية ( فقلت لها: وإنك لهناك) بكسر الكاف فيهما ( قالت: تقول هذا لي وابنتك) حفصة ( تؤذي النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمراجعتها له حتى يظل يومه غضبان فقال عمر -رضي الله عنه- ( فأتيت حفصة فقلت لها: إني أحذرك أن تعصي الله) من العصيان ولأبي ذر أن تغضبي الله ( ورسوله) بضم الفوقية وبالغين والضاد المعجمتين من الإغضاب ( وتقدمت إليها) أولاً قبل الدخول على غيرها ( في) قصة ( أذاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو المعنى تقدمت في أذى شخصها وإيلام بدنها بالضرب ونحوه ( فأتيت أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقرابتي منها ( فقلت لها) نحو ما قلته لحفصة ( فقالت: أعجب منك يا عمر قد دخلت في أمورنا) وفي التفسير دخلت في كل شيء ( فلم يبق إلا أن تدخل بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأزواجه فرددت) بتشديد الدال الأولى وسكون الثانية من الترديد ولأبي ذر عن الكشميهني فردت بدال واحدة مشددة من الرد، وفي التفسير فأخذتني والله أخذًا كسرتني عن بعض ما كنت أجد ( وكان رجل من الأنصار) هو
أوس بن خولي أو عتبان بن مالك ( إذا غاب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهدته أتيته بما يكون) من أمر الوحي وغيره ( وإذا غبت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهد) هو ( أتاني بما يكون من) خبر ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الوحي وغيره ( وكان من حول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الملوك ونحوهم ( قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام) وهو جبلة بن الأيهم ( كنا نخاف أن يأتينا) ليغزونا ( فما شعرت إلا بالأنصاري) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي بتقديم إلا على قوله بالأنصاري وللكشميهني فما شعرت بالأنصاري إلا ( وهو يقول) : بتأخيرها.
قال في الكواكب في جلّ النسخ أو في كلها وهو يقول بدون كلمة الاستثناء، ووجهه أن إلا مقدرة والقرينة تدل عليها أو كلمة ما زائدة أي شعرت بالأنصاري وهو يقول أو ما مصدرية، ويقول مبتدأ خبره بالأنصاري أي شعوري متلبس بالأنصاري قائلاً قوله أعظم وقال العيني: الأحسن أن يقال ما مصدرية والتقدير شعوري بالأنصاري حال كونه قائلاً أعظم.
قال وقول الكرماني ويقول مبتدأ فيه نظر لأن الفعل لا يقع مبتدأ إلا بالتأويل، وقال في الفتح: ويحتمل أن تكون ما نافية على حالها بغير احتياج لحرف الاستثناء والمراد المبالغة في نفي شعوره بكلام الأنصاري من شدة ما دهمه من الخبر الذي أخبر به، ويكون قد استثبته فيه مرة أخرى، ولذلك نقله عنه لكن رواية الكشميهني ترجح الاحتمال الأول وتوضح أن قول الكرماني أو في كلها ليس كذلك ( انه) أي الشأن ( قد حدث أمر) بتخفيف الدال المهملة ( قلت له: وما هو أجاء الغساني) ؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري ( قال: أعظم من ذلك.
طلّق رسول الله)
ولأبي الوقت النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) وإنما كان عنده أعظم لأن فيه مفارقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحفصة ابنته مع ما في ذلك من مشقته عليه الصلاة والسلام التي كانت سبب ذلك وعبّر بالطلاق ظنًّا منه أن اعتزاله طلاق.
قال عمر -رضي الله عنه- ( فجئت فإذا البكاء من حجرها كلها) ولأبي ذر من حجرهن كلهن أي منازلهن -رضي الله عنه- ( وإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد صعد) بكسر العين ارتقى ( في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء غرفة ( له وعلى باب المشربة وصيف) خادم لم يبلغ الحلم وفي التفسير غلام أسود وهو رباح ( فأتيته فقلت استأذن لي) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدخول عليه فدخل فاستأذن ( فأذن لي) عليه الصلاة والسلام ( فدخلت) وثبت قوله فأذن لي في رواية أبي ذر ( فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حصير) ما بينه وبينه شيء ( قد أثّر) الحصير ( في جنبه وتحت رأسه مرفقة) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الفاء والقاف ( من أدم حشوها ليف) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى ( وإذا أهب معلقة) بفتح الهمزة والهاء لأبي ذر ولغيره بضمهما ( وقرظ) بقاف وراء مفتوحتين وظاء معجمة ورق السلم الذي يدبغ فيه ( فذكرت) له عليه الصلاة والسلام ( الذي قلت لحفصة وأم سلمة والذي ردت علي أم سلمة فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تبسمًا من غير صوت ( فلبث) عليه الصلاة والسلام في المشربة ( تسعًا وعشرين ليلة ثم نزل) من المشربة.

وهذا الحديث سبق في سورة التحريم من التفسير.




[ قــ :5530 ... غــ : 5844 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِى كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: ( أخبرتني) بالإفراد وتاء التأنيث ( هند بنت الحارث عن أم سلمة) -رضي الله عنها- أنها ( قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الليل وهو يقول) :
( لا إله إلا الله ماذا أنزل الليلة) ولأبي ذر عن المستملي: الليل ( من الفتن) استفهام متضمن معنى التعجب ( ماذا أنزل من الخزائن) كخزائن فارس والروم ( من يوقظ) ينبه ( صواحب الحجرات) يريد أمهات المؤمنين -رضي الله عنه- ( كم من كاسية في الدنيا) أثوابًا رقيقة لا تمنع إدراك البشرة أو نفيسة ( عارية) معاقبة ( يوم القيامة) بفضيحة التعري أو عارية من الحسنات.

( قال الزهري) بالسند السابق ( وكانت هند) المذكورة ( لها أزرار) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها راء مفتوحة فألف فراء ثانية ( في كميها بين أصابعها) فتزررها خشية أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كمها فتدخل في قوله: كاسية عارية.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه حذر من لباس رقيق الثياب الواصفة للجسد.

وهذا الحديث سبق في كتاب العلم.