فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قص الشارب

باب قَصِّ الشَّارِبِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ
( باب) استحباب ( قص الشارب وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( يحفي) بضم التحتية وسكون المهملة وكسر الفاء يزيل ( شاربه حتى ينظر) مضارع مبني للمفعول من النظر ( إلى بياض الجلد) لمبالغته في استئصال الشعر.

وهذا وصله الطحاوي ( ويأخذ هذين، يعني بين الشارب واللحية) كذا وقع في تفسيره في جامع رزين من طريق نافع عن ابن عمر وعند البيهقي نحوه وقال الكرماني وهذين يعني طرفي الشفتين اللذين هما بين الشارب واللحية وملتقاهما كما هو العادة عند قص الشارب في أن ينظف الزاويتان أيضًا من الشعر قال ويحتمل أن يراد به طرفًا العنفقة ولغير أبي ذر كما في الفرع وغير النسفيّ كما في الفتح، وكان عمر وهو خطأ لأن المعروف عن عمر أنه كان يوفر شاربه.


[ قــ :5573 ... غــ : 5888 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّىِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ».
[الحديث 5888 - طرفه
في: 5890]
.

وبه قال: ( حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير الحنظليّ البلخي ( عن حنظلة) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة واللام بعدها هاء ابن أبي هانئ سفيان واسمه الأسود بن عبد الرحمن الجمحي القرشي ( عن نافع) مولى ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال البخاري بعد تحديثه عن المكي ( قال أصحابنا) : إنهم رووه ( عن المكي) عن حنظلة عن نافع ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من الفطرة) أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه ( قص الشارب) .




[ قــ :5574 ... غــ : 5889 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً الْفِطْرَةُ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَا، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ.
[الحديث 5889 - طرفاه في: 5891، 697] .

وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: ( حدّثنا) أي قال: سفيان حدّثنا الزهري فهو من تقديم الراوي على الصيغة ( عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( رواية) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو كقول الراوي يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو كناية عن الرفع ( الفطرة خمس أو خمس من الفطرة) بالشك.
قال ابن حجر: وهو من سفيان، ورواه أحمد خمس من الفطرة بغير شك وقوله خمس
صفة موصوف محذوف أي خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال أو الجملة خبر مبتدأ محذوف أي الذي شرع لكم خمس من الفطرة.

أولها ( الختان) بكسر الخاء المعجمة بعدها فوقية وهو قطع القلفة التي تغطي الحشفة من الرجل، وقطع بعض الجلدة التي في أعلى الفرج من المرأة كالنواة أو كعرف الديك ويسمى ختان الرجل إعذارًا بالعين المهملة والذال المعجمة، وختان المرأة خفضًا بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء.

( و) ثانيها ( الاستحداد) وهو استعمال الموسى في حلق العانة كما وقع التصريح به في رواية النسائي.
قال النووي: والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذا الشعر الذي حوالى فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حوالى حلقة الدبر.
قال أبو شامة: ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو عن الدبر أولى خوفًا من أن يتعلق به شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلاّ بالماء ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار.

( و) ثالثها ( نتف الإبط) بكسر الهمزة وسكون الموحدة يبدأ باليمين استحبابًا ويتأدّى أصل السُّنَّة بالحلق لا سيما من يؤله النتف.
قال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل لكن تبين أن النتف مقصود من جهة المعنى لأنه محل الرائحة الكريهة الناشئة من الوسخ المجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوّي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك.

( و) رابعها ( تقليم الأظفار) جمع ظفر بضم الظاء والفاء وتسكن ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق.

( و) خامسها ( قص الشارب) وهو الشعر النابت على الشفة، وهو عند النسائي بلفظ الحلق، لكن أكثر الأحاديث بلفظ القص، وعند النسائي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ تقصير الشارب، نعم في حديث ابن عمر في الباب التالي: واحفوا الشوارب، وفي الباب الذي بعده أنهكوا الشوارب، وفي مسلم: جزّوا الشوارب وهي تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة لأن الإحفاء الإزالة والاستقصاء والإنهاك المبالغة في الإزالة والجزّ قص الشعر إلى أن يبلغ الجلد.
قال في شرح المهذّب: وهو مذهب الشافعية وكان المزني والربيع يفعلانه.
قال الطحاوي: وما أظنهما أخذا ذلك إلاّ عنه.
ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل وأبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف واختاره النووي أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله، ونقل ابن القاسم عن مالك أن إحفاء الشارب مثلة، وأن المراد بالحديث المبالغة في أخذ الشارب حتى يبدو طرف الشفة.
وقال أشهب سألت مالكًا عمن يحفي شاربه فقال: أرى أن يوجع ضربًا.

وقوله: الفطرة خمس ظاهره الحصر والحصر يكون حقيقيًا ومجازيًّا فالحقيقي كقوله العالم في
البلد زيد إذا لم يكن فيه غيره ومن المجازي الدين النصيحة قاله ابن دقيق العيد، ودلالة من على التبعيض فيه أي في قوله أو خمس من الفطرة أظهر من دلالة الرواية الأولى على الحصر، فليس الحصر مرادًا هنا بدلالة حديث عائشة عند مسلم: عشر من الفطرة فذكر الخمسة التي في حديث الباب إلا الختان وزاد إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء.

وعند أحمد وأبي داود وابن ماجة من حديث عمار بن ياسر مرفوعًا زيادة الانتضاح، وفي تفسير عبد الرزاق والطبري من طريقه بسند صحيح عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى: { وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: 14] ذكر العشر، وعند ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس غسل الجمعة، ولأبي عوانة في مستخرجه زياد الاستنثار، وهذه الخصال منها ما هو واجب كالختان وما هو مندوب ولا مانع من اقتران الواجب بغيره كما قال تعالى: { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] فإيتاء الحق واجب والأكل مباح.

وهنا الحديث أخرجه مسلم في الطهارة وأبو داود والنسائي وابن ماجة.