فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صلة الوالد المشرك

باب صِلَةِ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ
( باب) مشروعية ( صلة الوالد المشرك) من جهة ولده المؤمن.


[ قــ :5657 ... غــ : 5978 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِى أَبِى أَخْبَرَتْنِى أَسْمَاءُ ابْنَةُ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ: أَتَتْنِى أُمِّى رَاغِبَةً فِى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آصِلُهَا قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: { لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ} [الممتحنة: 8] .

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي المكي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا هشام بن عروة) قال: ( أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير قال: ( أخبرتني) بتاء التأنيث والإفراد ( أسماء ابنة) ولأبي ذر والأصيلي بنت ( أبي بكر) الصديق ( -رضي الله عنهما-) أنها ( قالت: أتتني أمي) قيلة على الأصح بنت عبد العزى في مدّة صلح الحديبية، زاد الإمام أحمد وهي مشركة في عهد قريش حال كونها ( راغبة) في بري وصلتي أو راغبة عن الإسلام كارهة له، ولأبي ذر: وهي راغبة ( في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آصلها) ؟ بمدّ الهمزة على الاستفهام ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( نعم) صليها ( قال ابن عيينة) سفيان ( فأنزل الله تعالى فيها: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} ) [الممتحنة: 8] وتمام الآية { ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8] وهي رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم، وقيل إن هذا كان في أوّل الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال، ثم نسخ بآية: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وقيل: المراد بذلك النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل فأذن الله في برّهم، وقال أكثر أهل التأويل: هي محكمة، واحتجوا بحديث أسماء، بل قيل
إنها نزلت كما ذكر هنا عن سفيان، وفي مسند أبي داود الطيالسي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن أبا بكر الصديق طلّق امرأته قيلة في الجاهلية وهي أم أسماء بنت أبي بكر فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كفار قريش فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر قرطًا وأشياء فكرهت أن تقبل منها حتى أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك له فأنزل الله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم} [الممتحنة: 8] الآية.

وحديث الباب قد سبق في باب الهدية للمشركين من كتاب الهبة والله الموفق.


باب صِلَةِ الْمَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْجٌ
( باب صلة المرأة وأمها ولها) أي وللمرأة التي تصل أمها ( زوج) .


[ قــ :5657 ... غــ : 5979 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّى وَهْىَ مُشْرِكَةٌ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ، وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ وَهْىَ رَاغِبَةٌ قَالَ: «نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ».

وبه قال: ( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه ( حدثني) بالإفراد ( هشام عن) أبيه ( عروة) بن الزبير ( عن أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها ( قالت: قدمت) أي عليّ ( أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على الصلح وترك المقاتلة ( مع أبيها) أي أبي أم أسماء وللأصيلي مع ابنها أي ولدها قالت أسماء ( فاستفتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فاستفتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: ( إن أمي قدمت) عليّ ( وهي راغبة) زاد أبو ذر والأصيلي: أفأصلها؟ ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( نعم صلي أمك) .

ومطابقته للترجمة ظاهرة إذا قلنا إن الضمير في ولها راجع إلى المرأة إذ أسماء كانت زوجة للزبير وقت قدومها، وإن قلنا إنه راجع إلى الأم فذلك باعتبار أن يراد بلفظ أبيها زوج أم أسماء، ومثل هذا المجاز شائع وكونه كالأب لأسماء ظاهر قاله في الكواكب، وقال ابن بطال: في الحديث من الفقه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أباح لأسماء أن تصل أمها ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها وأن للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها.