فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته

باب رَحْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ.

     وَقَالَ  ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ أَخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ
( باب) ذكر ( رحمة الولد) أي رحمة الوالد ولده ( و) ذكر ( تقبيله ومعانقته.
وقال ثابت)
: هو ابن أسلم البناني فيما وصله المؤلّف في الجنائز ( عن أنس) -رضي الله عنه- ( أخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولده ( إبراهيم) -رضي الله عنه- ( فقبله وشمه) وهذا التعليق ساقط للمستملي كما في الفرع.
وقال في الفتح: ساقط لأبي ذر عن الكشميهني.


[ قــ :5671 ... غــ : 5994 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِى عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: ( حدّثنا مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء ابن ميمون الأزدي قال: ( حدّثنا ابن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي البصري ( عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة عبد الرحمن ولا يعرف اسم أبيه أنه ( قال: كنت شاهدًا لابن عمر) -رضي الله عنه- أي حاضرًا عنده ( وسأله رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفه ( عن دم البعوض) زاد جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي يصيب الجسد.
وفي المناقب من البخاري سمعت عبد الله بن عمر وسأله عن المحرم قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب.
قال الكرماني: فلعله سأل عنهما معًا، وقال في الفتح: وأطلق الراوي الذباب على البعوض لقرب شبهه منه وإن كان في البعوض معنى زائد أي ما يلزم المحرم إذا قتله ( فقال) له ابن عمر: ( ممن) أي من أيّ البلاد ( أنت؟ فقال) الرجل: ( من أهل العراق.
قال)
ابن عمر لمن حضره: ( انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن) ابنة ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحسين بن علي ( وسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( هما) أي الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ( ريحانتاي) بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ريحاني ولأبي ذر أيضًا عن الكشميهني ريحانتي بزيادة تاء التأنيث أي هما من رزق الله الذي رزقنيه ( من الدنيا) أو أراد بالريحان المشموم أي أنهما مما أكرمني الله وحباني به لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين.




[ قــ :567 ... غــ : 5995 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: جَاءَتْنِى امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِى فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: «مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: حدثني) بالإفراد ( عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم ( أن عروة بن الزبير) بن العوّام ( أخبره أن عائشة) -رضي الله عنها- ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثته قالت: جاءتني امرأة معها) ولأبي ذر ومعها ( ابنتان) لها قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهن ( تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها) إياها ( فقسمتها) بسكون المثناة الفوقية ( بين ابنتيها) .
وفي رواية مسلم من طريق عراك بن مالك عن عائشة فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فيحتمل في طريق الجمع أن قولها في حديث عروة فلم تجد عندي غيرها أي في أول الحال سوى واحدة فأعطيتها، ثم وجدت اثنتين أو لم تجد عندي غير واحدة أخصها بها أو يحمل على التعدد ( ثم قامت فخرجت) من عندي ( فدخل) عليّ ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحدثته) بخبرها ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( من يلي) بالتحتية المفتوحة من الولاية ( من هذه البنات شيئًا) ولأبي ذر عن الكشميهني من بلي بموحدة مضمومة من الابتلاء من هذه البنات بشيء.
قال في شرح المشكاة: وهذه إشارة إلى جنسهن.
وقال في فتح الباري: واختلف في المراد بالابتلاء هل هو نفس وجودهن أو ابتلي بما يصدر منهن وهل هو على العموم في البنات، أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به.
وقال النووي: إنما سماهن ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة قال تعالى: { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} [النحل: 58] ( فأحسن إليهن) فيه إشعار بأن المراد من قوله من هذه أكثر من واحدة فالإشارة للجنس كما مرّ، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني فقال رجل من الأعراب: واثنتين؟ فقال: واثنتين.
وفي حديث أبي هريرة قلنا.
وواحدة؟ قال: وواحدة.
وزاد ابن ماجة "وأطعمهن وسقاهن وكساهن" وفي الطبراني من حديث ابن عباس "فأنفق عليهن وزوّجهن وأحسن أدبهن" وفي رواية عبد الحميد "فصبر عليهن" ( كن له سترًا) أي
حجابًا ( من النار) وفيه تأكيد حقوق البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف المذكور والحديث أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في البر.




[ قــ :5673 ... غــ : 5996 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: ( حدّثنا سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان ( المقبري) بضم الموحدة قال: ( حدّثنا عمر بن سليم) بفتح العين وضم السين الأنصاري قال: ( حدّثنا أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري ( قال: خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمامه) بضم الهمزة وتخفيف الميم ( بنت أبي العاص) بن الربيع الأموي وهي ابنة زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( على عاتقه فصلّى) فرضًا وفي سنن أبي داود الظهر أو العصر، وفي المعجم الكبير للطبراني صلاة الصبح ( فإذا ركع وضع) بحذف المفعول، ولأبي ذر عن الكشميهني: وضعها أي بالأرض خشية أي تسقط ( وإذا رفع) رأسه من الركوع ( رفعها) من الأرض، وفي أبواب سترة المصلي من أوائل الصلاة فإذا سجد وضعها ولا منافاة بينه وبين رواية الباب بل يحمل على أنه كان يفعل ذلك في الركوع والسجود، ولأي داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها وهذا صريح في أن الحمل والوضع كان منه لا منها.
ومناسبة الحديث لما ترجم به من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أمامة من الحمل المقتضي للشفقة والرحمة لابنة ابنته والحديث سبق في باب من حمل جارية صغيرة من كتاب الصلاة.




[ قــ :5674 ... غــ : 5997 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِىُّ جَالِسًا فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( حدّثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحسن بن علي) بفتح الحاء ابن بنته فاطمة -رضي الله عنهم- ( وعنده الأقرع بن حابس التميمي) حال كونه ( جالسًا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جالس بالرفع وكان الأقرع من المؤلّفة وحسن إسلامه والواو في وعنده للحال ( فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا فنظر إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال) :
( من لا يرحم لا يُرحم) بفتح التحتية في الأوّل وضمها في الثاني والرفع والجزم في اللفظين فالرفع على الخبر.
قال القاضي عياض: وعليه أكثر الرواة والجزم على أن من شرطية، لكن قال السهيلي: حمله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه مردود على قول الرجل إن لي عشرة من الولد أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم، ولو جعلت من شرطية لانقطع الكلام عما قبله بعض الانقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، ولأن الشرط إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفيًا بلم لا بلا كقوله تعالى: { ومن لم يؤمن بالله} الفتح: 13] { ومن لم يتب} [الحجرات: 11] وإن كان الآخر جائزًا كقول زهير.

ومن لا يظلم الناس يظلم اهـ.

وتعقبه صاحب المصابيح فقال: تعليله انقطاع الكلام عما قبله على تقدير كون من شرطية بأن الشرط وجوابه كلام مستأنف غير ظاهر، فإن الجملة مستأنفة سواء جعلت من موصولة أو شرطية وتقديره الذي يفعل هذا الفعل ويتأتى مثله على أن من شرطية أي من يفعل هذا الفعل فلا ينقطع الكلام ويصير مرتبطًا بما قبله ارتباطًا ظاهرًا.

والرحمة من الخلق التعطف والرقة، وهذا لا يجوز على الله تعالى ومن الله تعالى الرضا عمن رحمه لأن من رق له القلب فقد رضي عنه أو الإنعام أو إرادة الخير لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، والحاصل أن الأولى على الحقيقة والثانية على المجاز.
وقوله: من لا يرحم يشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهم والوحش والطير.

وفي الحديث أن تقبيل الولد وغيره من المحارم وغيرهم إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة، والحديث من أفراده.




[ قــ :5675 ... غــ : 5998 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن هشام عن) أبيه ( عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: ( جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ: يحتمل أن يكون هو الأقرع بن حابس ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن أخرجه أبو يعلى الموصلي بسند رجاله ثقات، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني بإسناده عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم دخل على النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر قصة شبيهة بلفظ حديث عائشة ويحتمل التعدد.
( فقال: تقبلون) بحذف أداة الاستفهام وللكشميهني أتقبلون ( الصبيان فما نقبلهم) وعند مسلم فقال: نعم قال: لكنا ما نقبل ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أو أملك لك) بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام والواو للعطف على مقدّر بعد الهمزة نحو أو مخرجي هم ( أن نزع الله من قلبك الرحمة) بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه.
وقال الأشرف فيما نقله في شرح المشكاة: يروى أن بفتح الهمزة فهي مصدرية ويقدّر مضاف أي لا أملك لك دفع نزع الله من قلبك الرحمة.
وقال الشيخ نور الدين البجيري: ويحتمل أن يكون مفعول أملك محذوفًا وأن نزع في موضع نصب على المفعول لأجله على أنه تعليل للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، والتقدير لا أملك وضع الرحمة في قلبك لأن نزعها الله منه أي انتفى ملكي لذلك لنزع الله إياها من قلبك اهـ.

ويروى بكسر الهمزة شرطًا وجزاؤه محذوف وهو من جنس ما قبله أي إن نزع الله من قلبك الرحمة لا أملك ردها لك لكن قال الحافظ ابن حجر إنها بفتح الهمزة في الروايات كلها اهـ.

وقول صاحب التنقيح والهمزة أي في أو أملك للاستفهام التوبيخي أي لا أملك لك، تعقبه في المصابيح بأنها لو كانت للتوبيخ لاقتضت وقوع ما بعدها لا نفيه أي نحو { أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95] { أغير الله تدعون} [الأنعام: 40] وإنما هي هنا للإنكار الإبطالي المقتضي أن يكون ما بعدها غير واقع وأن مدعيه كاذب نحو: { أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثًا} [الإسراء: 40] { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} [الصافات: 149] والمعنى هنا لا أملك لك جعل الرحمة فيك بعد أن نزعها الله من قلبك.
وهذا الحديث من أفراده.




[ قــ :5676 ... غــ : 5999 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْىٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ»؟ قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ فَقَالَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».

وبه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم قال: ( حدّثنا أبو غسان) بفتح.
الغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف قال: ( حدثني) بالإفراد ( زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر ( عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) أنه ( قال قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبي) من هوازن، وللكشميهني قدم بضم الفاف على صيغة المجهول بسبي بزيادة الجار ( فإذا امرأة من السبي) أي يعرف ابن حجر اسمها ( تحلب) بسكون الحاء المهملة وضم اللام ( ثديها) بالإفراد والنصب مفعول، وفي نسخة قد تحلب، ولأبي ذر عن الكشميهني: قد تحلب بفتح الحاء واللام مشددة ثديها بالإفراد والرفع فاعل أي سأل منه اللبن ومنه سمي الحليب لتحلبه.
وقال في فتح الباري: أي تهيأ لأن يحلب قال: ولغير الكشميهني ثدييها بالتثنية ( تسقي) بفوقية مفتوحة وسكون المهملة وكسر القاف.
قال الحافظ ابن حجر: وللكشميهني بسقي بموحدة مكسورة بل
الفوقية وفتح المهملة وسكون القاف وتنوين التحتية قال: وللباقين تسعى بفتح العين المهملة من السعي أي تمشي بسرعة تطلب ولدها الذي فقدته ( إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته) أي فأرضعته ليخف عنها اللبن لكونها تضررت باجتماعه فوجدت ابنها فأخذته ( فألصقته ببطنها وأرضعته) ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم ولدها.
وقال العيني: إذا وجدت كلمة إذ ظرف، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من امرأة قال: وفي بعض النسخ إذا أي بالإلف، لكن قال الحافظ ابن حجر: قوله إذا أي بالألف كذا للجميع ( فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أترون) بضم الفوقية أي أتظنون ( هذه) المرأة ( طارحة ولدها) هذا ( في النار قلنا لا) تطرحه ( وهي تقدر على أن لا تطرحه) أي لا تطرحه مكرهة أبدًا ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لله) بفتح اللام للتأكيد وللإسماعيلي والله لله ( أرحم بعباده) المؤمنين ( من هذه) المرأة ( بولدها) .
هذا وحكى الشيخ ابن أبي جمرة احتمال تعميمه حتى في الحيوانات، والحديث أخرجه مسلم في التوبة.