فهرس الكتاب

إرشاد الساري - بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- { فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]
( باب قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم} - إلى قوله- { فأولئك هم الظالمون} ) وسقط قوله { عسى} إلى آخره لأبي ذر، وقال بعد { من قوم} الآية.
نهى عن السخرية وهي أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه المسلم بعين الإجلال ولا يلتفت إليه ويسقطه عن درجته والقوم الرجال خاصة لأنهم القوّام بأمور النساء وهو في الأصل جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر لكن فعل ليس من أبنية التكسير إلا عند الأخفش نحو: ركب وصحب، واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية إذ لو كانت النساء داخلة في قوم لم يقل ولا نساء وحقق ذلك زهير في قوله:
وما أدري ولست أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
فاختصاص القوم بالرجال في الآية من عطف ولا نساء على قوم، وفي الشعر من جعل أحد المتساويين يلي الهمزة والآخر يلي أم وتنكير القوم والنساء يحتمل معنيين أن يراد لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض، وأن يقصد إفادة الشياع وأن يصير كل جماعة منهم منهية عن السخرية.
قال في الانتصاف: لو عرّف المؤمنين فقال: لا يسخر المؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض لعمّ ومراده أن في التنكير يحصل أن كل جماعة منهية على التفصيل وهو واقع.
وقال الطيبي: استغراق الجنس أيضًا يراد منه التفصيل.
والمعرّف بتعرف العهد الذهني مفيد للتفصيل أيضًا كالنكرة إذ المعنى لا يسخر من هو مسمى بالقوم من قوم مثله.
قال ابن جني: مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته من حيث كان في كل جزء منه معنى ما في جملته انتهى.

وقوله: { عسى أن يكونوا خيرًا منهم} كلام مستأنف ورد مورد جواب المستخبر عن علة النهي وإلاّ فقد كان حقه أن يوصل بما قبله بالفاء، والمعنى وجوب أن يعتقد كل واحد بأن
المسخور منه ربما كان عند الله خيرًا من الساخر إذ لا اطّلاع للناس إلا على الظواهر ولا علم لهم بالسرائر، والذي يزن عند الله خلوص الضمائر فينبغي أن لا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رثّ الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق أي غير حاذق في محادثته فلعله أخلص ضميرًا وأنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقّره الله تعالى.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: البلاء موكّل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبًا.

وقوله: { ولا تلمزوا أنفسكم} فيه وجهان أحدهما: عيب الأخ إلى الأخ فإذا عابه فكأنه عاب نفسه، والثاني: أنه إذا عابه وهو لا يخلو عن عيب فيعيبه به المعاب فيكون هو بمعيبه حاملاً لغيره على عيبه فكأنه هو العائب نفسه، واللمز الطعن والضرب باللسان { ولا تنابزوا} ولا تدعوا { بالألقاب} السيئة التي يساء بها الإنسان { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن يذكروا بالفسق، وقيل: أن يقول له يا يهودي يا فاسق بعدما آمن وبعد الإيمان استقباح للجمع بين الإيمان وبين الفسق، الذي يحظره الإيمان { ومن لم يتب} عما نهي عنه { فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] .


[ قــ :5718 ... غــ : 6042 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ.

     وَقَالَ : «بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا».

     وَقَالَ  الثَّوْرِىُّ: وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ «جَلْدَ الْعَبْدِ»
وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي والميم وتسكن والعين المهملة المفتوحة القرشي أنه ( قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس) من الضراط لأنه قد يكون بغير الاختيار ولأنه أمر مشترك بين الكل.

( وقال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بمَ) ولأبي ذر عن الكشميهني لم باللام بدل الموحدة ( يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل) أي كضرب الفحل، ولأبي ذر أو العبد بالشك من الراوي ( ثم لعله يعانقها.
وقال الثوري)
سفيان مما وصله المؤلّف في النكاح ( ووهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري مما وصله أيضًا في التفسير ( وأبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين بينهما ألف آخره ميم مما وصله أحمد الثلاثة ( عن هشام) بن عروة بلفظ ( جلد العيد) بدل ضرب الفحل من غير شك.




[ قــ :5719 ... غــ : 6043 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا»؟
قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَىُّ بَلَدٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «بَلَدٌ حَرَامٌ أَتَدْرُونَ أَىُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهْرٌ حَرَام
قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: ( حدّثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي الواسطي أحد الأعلام قال: ( أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه) محمد بن زيد ( عن ابن عمر) جدّه ( -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى) في حجة الوداع:
( أتدرون أيّ يوم هذا) ؟ برفع هذا ( قالوا: الله ورسوله أعلم) بذلك ( قال: فإن هذا يوم حرام) حرّم الله فيه القتل ( أتدرون أي بلد هذا) ؟ ( قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال)
: هو ( بلد حرام.
أتدرون)
ولأبي ذر قال أتدرون ( أي شهر هذا) ؟ ( قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال)
هو ( شهر حرام) .
وليس المراد بالحرام عين اليوم والبلد والشهر وإنما المراد ما يقع فيها من القتال ومراده عليه الصلاة والسلام أن يذكرهم حرمة ذلك وتقريرها في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره حيث ( قال: فإن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا) يوم النحر ( في شهركم هذا) ذي الحجة ( في بلدكم هذا) مكة إلا بحقها، والحديث سبق في باب الخطبة أيام منى.