فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: النميمة من الكبائر

باب النَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ
هذا ( باب) بالتنوين ( النميمة من) الذنوب ( الكبائر) وهي نقل مكروه بقصد الإفساد وضابطها كشف ما يكره من شيء بكل ما يفهم وهي أم الفتن، وقد قيل: إن التمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في شهر وعلى سامعها إن جهل كونها نميمة أو نصحًا أن يتوقف حتمًا فإن تبين أنها نميمة فعليه أن لا يصدقه لفسقه بها ثم ينهاه عنها وينصحه ثم يبغضه في الله ما لم يتب ولا يظن بأخيه الغائب سوءًا ويحرم بحثه عنها وحكاية ما نقل إليه كي لا ينتشر التباغض ولم ينم على النمام فيصير نمامًا.
قال النووي: وهذا إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية وإلاّ فهو مستحب أو واجب كمن اطّلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذره منه.


[ قــ :5731 ... غــ : 6055 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِى قُبُورِهِمَا فَقَالَ: «يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرَةٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَ كِسْرَةً فِى قَبْرِ هَذَا وَكِسْرَةً فِى قَبْرِ هَذَا فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد ( ابن سلام) محمد قال: ( أخبرنا عبيدة بن حميد) بفتح العين وكسر الموحدة وحميد بالتصغير ابن صهيب ( أبو عبد الرحمن) الكوفي ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن مجاهد) هو ابن جبر ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بعض حيطان المدينة) أي بساتينها ( فسمع صوت إنسانين يعذّبان في قبورهما) على حدّ قوله تعالى: { فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( يعذّبان وما يعذّبان في كبيرة) بالتأنيث ولأبي ذر عن الكشميهني في كبير بالتذكير أي لا يعذّبان في أمر يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه ولم يرد أن الأمر فيهما هين في أمر الدين ولذا قال: ( وإنه لكبير) قال في النهاية وكيف لا يكون كبيرًا وهما يعذبان فيه ( كان أحدهما لا يستتر من البول) أي لا يتنزه منه أو من الاستتار على ظاهره أي لا يحترز من كشف عورته والأول أوجه وإن كان مجازًا كما مرّ ( وكان الآخر يمشي بالنميمة) ليفسد بين الناس ( ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بجريدة) من جريد النخل وهي السعفة التي جرّد عنها الخوص أي قشّر ( فكسرها بكسرتين) بكسر الكاف في الثانية ( أو اثنتين فجعل كسرة في قبر هذا وكسرة) بكسر الكاف فيهما ( في قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) .

قال النووي -رحمه الله تعالى-، قال العلماء: هو محمول على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل الشفاعة لهما.

فأجيب: بالتخفيف عنهما إلى أن ييبسا أو لكون الجريد يسبح ما دام رطبًا وليس لليابس تسبيح.
قال تعالى: { وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده} [الإسراء: 44] قالوا: معناه وإن من شيء حي إلاّ
يسبح وحياة كل شيء بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم يقطع، وذهب المحققون إلى أنه على عمومه، ثم اختلفوا هل يسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحًا منزهًا بلسان حاله.
والمحققون على أنه يسبح حقيقة.
قال الله تعالى: { وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] .
وإذا كان العقل لا يحيل التمييز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه.

والحديث سبق قريبًا.