فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل: 90]

باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] وَقَوْلِهِ: { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23] { ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60] وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.

( باب قول الله تعالى { إن الله يأمر بالعدل} ) بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل ذي حق إلى حقه { والإحسان} إلى من أساء إليكم أو الفرض والندب لأن الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب { وإيتاء ذي القربى} وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم { وينهى عن الفحشاء} عن الذنوب المفرطة في القبح { والمنكر} ما تنكر العقول { والبغي} طلب التطوّل بالظلم والكبر { يعظكم} حال أو مستأنف { لعلكم تذكرون} [النحل: 90] أي تتعظون بمواعظ الله، وسقط لأبي ذر { وإيتاء ذي القربى} إلى آخره وقال بعد { والإحسان} الآية.

( وقوله) تعالى: ( { إنما بغيكم على أنفسكم} ) [يونس: 23] أي ظلمكم يرجع عليكم كقوله تعالى من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وقوله عز وجل: ( { ثم بغي عليه لينصرنه الله} ) [الحج: 60] عطف على سابقه أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله أن ينصره، ولأبي ذر: ومن بغي بالواو بدل ثم والأولى هي الموافقة للتنزيل فيحتمل أن تكون الواو سبق قلم من المصنف أو ممن بعده، وزاد أبو ذر لفظ: الآية.
( وترك إثارة الشر) أي وباب تهييج الشر ( على مسلم أو كافر) .


[ قــ :5739 ... غــ : 6063 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا وَكَذَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِى أَهْلَهُ وَلاَ يَأْتِى قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِى ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِى أَمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَىَّ، وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِى فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رِجْلَىَّ لِلَّذِى عِنْدَ رَأْسِى: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، يَعْنِى مَسْحُورًا، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ»، فَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى أُرِيتُهَا كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ» فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُخْرِجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلاَّ تَعْنِى تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِى،.
وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ.

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: مكث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الكاف وضمها ( كذا وكذا) وقال العيني: أيامًا.
وقال في المصابيح: فسر هذا في النسائي بشهرين وللإسماعيلي مما سبق في الطب أربعين ليلة وعند أحمد ستة أشهر، وفي موطأ مالك بإسناد صحيح سنة وهو المعتمد وهذا في حديث السحر الذي صنعه لبيد بن الأعصم ( يخيل إليه أنه يأتي) أي يباشر ( أهله ولا يأتي) ولا يباشر ( قالت عائشة) رضي الله
عنها ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لي ذات يوم) من إضافة المسمى إلى اسمه: ( يا عائشة إن الله) عز وجل ( أفتاني في أمر) أي في أمر التخييل ( استفتيته فيه أتاني رجلان) هما جبريل وميكائيل كما عند ابن سعد في رواية منقطعة ( فجلس أحدهما عند رجلي) بتشديد التحتية على التثنية ( والآخر) وهو جبريل ( عند رأسي فقال الذي عند رجلي) بالتثنية وهو ميكائيل ( للذي عند رأسي: ما بال الرجل) يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الطب: ما وجع الرجل ( قال: مطبوب) قال الراوي مما أدرجه ( يعني مسحورًا قال) : ميكائيل لجبريل ( ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم) وكان ساحرًا منافقًا وفي مسلم أنه كان كافرًا ( قال) أي ميكائيل ( وفيم) ؟ سحره ( قال) : أي جبريل ( في جف طلعة) بضم الجيم وتشديد الفاء مضافًا لطلعة وتنوينها ( ذكر) صفة لجف وهو وعاء الطلع ( في مشط ومشاطة تحت رعوفة) براء مفتوحة فعين مهملة مضمومة وبعد الواو الساكنة فاء وهو حجر يكون في قعر البئر يقعد عليه المائح بالتحتية ليملأ دلو الماتح كذا نقل عن الحافظ أبي ذر وقيل غير ذلك ما مر ( في بئر ذروان) بفتح الذال المعجمة وسكون الراء ( فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في جماعة من أصحابه ( فقال: هذه البئر التي أريتها) بهمزة مضمومة فراء مكسورة ( كأن رؤوس نخلها) أي نخل البستان التي هي فيه ( رؤوس الشياطين) في قبح منظرها ( وكان ماءها نقاعة الحناء) في حمرة لونه ونقاعة بضم النون بعدها قاف والحناء ممدود أي أنه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه ( فأمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بصورة ما في الجف من المشط والمشاطة وما ربط فيه ( فأخرج) من البئر ( قالت عائشة) -رضي الله عنها-: ( فقلت يا رسول الله فهلا تعني) عائشة ( تنشرت) بتشديد الشين المعجمة والنشرة الرقية التي بها حل عقد الرجل عن مباشرة امرأته، ولغير أبي ذر يعني بالتحتية بدل الفوقية ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما الله) بتشديد الميم ( فقد شفاني) منه ( وأما أنا فأكره أن أثير) بضم الهمزة بعدها مثلثة ( على الناس شرًّا) باستخراجه من الجف لئلا يروه فيتعلموه إن أرادوا السحر ( قالت) عائشة -رضي الله عنها- ( لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام معاهد ( اليهود) ولأبي ذر عن الكشميهني: لليهود بزيادة لام.

ومطابقة الآيات المذكورة وترجمة الباب مع الحديث كما هو ملخص من قول الخطابي إن الله تعالى لما نهى عن البغي واعلم أن ضرر البغي إنما هو راجع إلى الباغي وضمن النصر لمن بغي عليه كان حق من بغي عليه أن يشكر الله على إحسانه إليه بأن يعفو عمن بغي عليه وقد امتثل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فلم يعاقب الذي كاده بالسحر مع قدرته على ذلك، وقال في الفتح: ويحتمل أن تكون المطابقة من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شر فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر شيء من أثر الضرر الناشئ عن السحر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني.

والحديث سبق في باب السحر من الطب والله الموفق والمعين.