فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الكبر

باب الْكِبْرِ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { ثَانِىَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] مُسْتَكْبِرٌ فِى نَفْسِهِ.
عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ
( باب) ذم ( الكبر) بكسر الكاف وسكون الموحدة وهو ثمرة العجب وقد هلك بهما كثير من العلماء والعباد والزهاد والكبر هو أن يرى نفسه خيرًا من غيره جهلاً بها وبقدر بارئها تعالى وبوعده ووعيده والتكبر منع الحق كمن ينصر باطلاً رياءً وازدراءً لخلق الله فكل معجب أو متكبر بنعمة يأنف ممن هو فقير منها كفرًا للنعمة والرحمة وأنفع شيء لدفعه التفكر في كونه لم يكون شيئًا
وليس أخس من العدم وحيث صار شيئًا صار جمادًا لا يحس وكان إيجاده من تراب وطين منتن ونطفة بمكان قدّر فأوجد بسمع وبصر وعقل ليعرف به أوصافه وأخرجه تعالى ضعيفًا عاجزًا فرباه وقواه وعلمه إلى منتهاه ويلازمه مع ذلك مستقذرات كالبول والغائط والسقم والعجز لا يملك ضرًّا ولا نفعًا ولا شيئًا، ومع ذلك قد لا يشكر نعمه ولا يذكر عرض قبائحه وتفرده بقبر موحش عن محابه وأحبابه فيصير جيفة والأحداق سالت والألوان حالت والرؤوس تغيرت ومالت مع فتان يأتيه فيقعده يسأله عما كان يعتقده ثم يكشف له من الجنة أو النار مقعده ثم يقاسي أهوال القيامة ثم يصير إلى النار أن لم يرحمه ربه ومن هذه حالته فمن أين يأتيه الكبر، فالكبرياء والعظمة للرب القادر لا للعبد العاجز أشار إليه في قوت الأحياء.

( وقال مجاهد) : هو ابن جبر فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ( { ثاني عطفه} ) [الحج: 9] أي ( مستكبرًا في نفسه عطفه) أي ( رقبته) وقال غيره: أي لاويًا عنقه عن طاعة الله كبرًا وخيلاء.


[ قــ :5746 ... غــ : 6071 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِىُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري قال: ( حدّثنا معبد بن خالد القيسي) الجدلي بجيم ودال مهملة مفتوحتين الكوفي العابد ( عن حارثة بن وهب الخزاعي) بتخفيف الزاي -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ألا) بالتخفيف ( أخبركم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أغلب ( أهل الجنة) هم ( كل ضعيف) أي ضعيف الحال لا ضعيف البدن ( متضاعف) بألف بعد الضاد وكسر العين أي متواضع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: متضعف بتشديد العين من غير ألف، ومعنى الكل يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا أو متواضع متذلل خامل الذكر ( لو أقسم) ولأبي ذر لو يقسم ( على الله) يمينًا طمعًا في كرم الله بإبراره ( لأبره) وقيل لو دعاه لأجابه ( ألا أخبركم بـ) أغلب ( أهل النار) هم ( كل عتل) بضم العين المهملة والفوقية وتشديد اللام غليظ جاف ( جوّاظ) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف معجمة المنوع أو المختال في مشيته ( مستكبر) بكسر الموحدة.

والحديث سبق في تفسيره سورة ن.




[ قــ :5746 ... غــ : 607 ]
- وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.

( وقال محمد بن عيسى) بن أبي نجيح المعروف بابن الطباع بمهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فعين مهملة أبو جعفر البغدادي نزيل أذنة بفتح الهمزة والمعجمة والنون الثقة العالم.
قال أبو
داود: كان يحفظ أربعين ألف حديث، ويشبه أن يكون البخاري أخذ عنه مذاكرة قال: ( حدّثنا هشيم) بضم مصغرًا ابن بشير أبو معاوية الواسطي قال: ( أخبرنا حميد الطويل) قال: ( حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( قال: كانت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن كانت بفتح الهمزة في اليونينية ( الأمة) غير الحرّة ( من إماء أهل المدينة) أي أيّ أمة كانت ( لتأخذ) بلام التأكيد ( بيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنطلق به حيث شاءت) من الأمكنة ولو كانت حاجتها خارج المدينة.
زاد أحمد في حاجتها وفي أخرى له فيما ينزع يده حتى تذهب به حيث شاءت، والمراد بالأخذ باليد لازمه وهو الانقياد وفيه غاية تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا.