فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين

باب مَا لاَ يُسْتَحْيَا مِنَ الْحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِى الدِّينِ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه بيان ( ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين) وهذا يخصص قوله في الحديث السابق الحياء خير كله إذا الحياء في السؤال عن الدين لا يجوز فهو مذموم كما لا يخفى وقوله يستحيا مبني للفعول.


[ قــ :5792 ... غــ : 6121 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن هشام بن عروة) بن الزبير ( عن أبيه عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت ( أبي سلمة) عبد الله ( عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: جاءت أم سليم) بضم السين وفتح اللام أم أنس بن مالك ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي) بكسر الحاء ( من الحق) أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منا قالته اعتذارًا عن تصريحها بما تنقبض عنه النفوس البشرية لا سيما بحضرة الرسالة أي إن الله تعالى بين لنا أن الحق ليس مما يستحيا منه وسؤالها هذا كان من الحق الذي ألجأت الضرورة إليه ( فهل) يجب ( على المرأة غسل) بغير زيادة من ( إذا احتلمت) بغير زيادة هي أي وطئت في منامها ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( نعم) يجب عليها الغسل ( إذا رأت الماء) أي المني موجودًا فالرؤية علمية تتعدى إلى مفعولين الثاني مقدر كما مرّ أو غير ذلك.
قال أبو حيان: وحذف أحد مفعولي رأى وأخواتها عزيز، وقد قيل في قوله تعالى: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم} [آل عمران: 18] أي البخل خيرًا والظاهر أن الرؤية هنا بصرية فتتعدى إلى واحد، وينبني على ذلك أن المرأة إذا علمت أنها أنزلت ولم تر ماء لا غسل عليها.

والحديث سبق في الغسل.




[ قــ :5793 ... غــ : 61 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلاَ يَتَحَاتُّ» فَقَالَ الْقَوْمُ: هِىَ شَجَرَةُ كَذَا هِىَ شَجَرَةُ كَذَا فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ: «هِىَ النَّخْلَةُ».
وَعَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا محارب بن
دثار)
بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي قاضي الكوفة من جلة العلماء والزهاد ( قال: سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات) بتشديد المثناة الفوقية الأخيرة مرفوعًا لا يتناثر ولا يحتك بعض أوراقها ببعض فتسقط ( فقال القوم) : وفيهم العمران ( هي شجرة كذا هي شجرة كذا) قال ابن عمر: ( فأردت أو أقول هي النخلة وأنا غلام شاب) وفي رواية مجاهد فأردت أن أقول هي النخلة فإذًا أنا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذًا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم ( فاستحييت فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( هي النخلة) وعند البزار من طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر بإسناد صحيح قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( مثل المؤمن كمثل النخلة ما أتاك منها نفعك) ففيه الإيضاح بالمقصود بأوجز عبارة وأحسن إشارة، وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت، وأنها لا تحمل حتى تلقح وأن لطلعها رائحة كرائحة مني الآدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها كما قال في الفتح ضعيفة.

وسبق الحديث في كتاب العلم.

( وعن شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق أنه قال: ( حدّثنا خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى الأنصاري المدني ( عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب ( عن ابن عمر) عمه ( مثله) أي مثل الحديث السابق ( وزاد) فيه قال ابن عمر: ( فحدثت به) أبي ( عمر فقال: لو كنت قلتها لكان أحب إليّ من كذا وكذا) أي من حُمر النعم كما في الرواية الأخرى، ووجه تمني عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنسله ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره ليزداد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حظوة.




[ قــ :5794 ... غــ : 613 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، سَمِعْتُ ثَابِتًا أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِىَّ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا فَقَالَ: هِىَ خَيْرٌ مِنْكِ عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا مرحوم) بالحاء المهملة ابن عبد العزيز البصري العطار قال: ( سمعت ثابتًا) البناني ( أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- يقول: جاءت امرأة) لم أعرف اسمها ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض عليه نفسها) ليتزوجها ( فقالت) : يا رسول الله ( هل لك حاجة فيّ) ؟ أن تتزوجني ( فقالت ابنته) : أي ابنة أنس أمينة بضم الهمزة وفتح الميم وبعد التحتية الساكنة نون مصغرًا ( ما أقل حياءها.
فقال)
أنس: ( هي خير منك عرضت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسها) ليتزوّجها وتصير من أمهات المؤمنين.

ومطابقة الحديث للترجمة من هنا إذ المرأة لم تستح فيما سألته لما ذكر من إرادتها قربها من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما لا يخفى.