فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ
( باب) بيان ( ما يكره من الغضب) الذي هو غليان دم القلب للانتقام ( و) ما يكره من ( الجزع) الذي هو نقيض الصبر ( عند الضيف) .


[ قــ :5811 ... غــ : 6140 ]
- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ فَإِنِّى مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِىءَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ فَقَالَ: اطْعَمُوا فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِىءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَىَّ فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَسَكَتُّ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِى لَمَّا جِئْتَ فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ فَقَالُوا: صَدَقَ أَتَانَا بِهِ قَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِى وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ قَالَ: لَمْ أَرَ فِى الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ وَيْلَكُمْ مَا أَنْتُمْ لِمَ لاَ تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ، هَاتِ طَعَامَكَ فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ الأُولَى لِلشَّيْطَانِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد ( عياش بن الوليد) بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: ( حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قال: ( حدّثنا سعيد) هو ابن أبي إياس ( الجريري) بضم الجيم مصغرًا ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي بفتح النون ( عن
عبد الرحمن بن أبي بكر)
الصديق ( -رضي الله عنهما- أن أبا بكر تضيف رهطًا) ثلاثة أي جعلهم أضيافًا له ( فقال لعبد الرحمن) : ابنه ( دونك) أي الزم ( أضيافك فإني منطلق إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فافرغ) بهمزة وصل ( من قراهم) بكسر القاف من ضيافتهم ( قبل أن أجيء) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده) من الطعام ( فقال) لهم ( اطعموا) بهمزة وصل وفتح العين ( فقالوا: أين رب منزلنا) أي صاحبه يعنون أبا بكر -رضي الله عنه- ( قال) لهم عبد الرحمن: ( اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا.
قال)
لهم: ( أقبلوا) بهمزة وصل وفتح الموحدة ( عنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عني ( قراكم فإنه) أي أبا بكر ( إن جاء ولم تطعموا) بفتح الأول والثالث ( لنلقين منه) الأذى وما نكره ( فأبوا) فامتنعوا أن يأكلوا ( فعرفت أنه يجد) أي يغضب ( عليّ فلما جاء) أبو بكر -رضي الله عنه- ( تنحيت عنه) أي جعلت نفسي في ناحية بعيدة عنه ( فقال) : ولأبي ذر قال: ( ما صنعتم) بالأضياف؟ ( فأخبروه) أنهم أبوا أن يأكلوا إلا إن حضر ( فقال: يا عبد الرحمن) قال عبد الرحمن ( فسكت) فرقًا منه ( ثم قال) ثانيًا ( يا عبد الرحمن) قال: عبد الرحمن ( فسكت) فرقًا منه ( فقال) في الثالثة ( يا غنثر) بضم الغين المعجمة وسكون النون بعدها مثلثة مفتوحة فراء أي يا جاهل أو يا لئيم ( أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما) بتشديد الميم أي إلا ( جئت) كما عند سيبويه أي لا أطلب منك إلا مجيئك، ولأبي ذر عن الكشميهني: أجبت ( فخرجت فقلت) له ( سل أضيافك) فسألهم ( فقالوا) : ولأبي ذر قالوا ( صدق أتانا به) أي بالقرى فلم نقبل ( قال) أبو بكر: ( فإنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة) لأنه اشتد عليه تأخير عشائهم ( فقال الآخرون) : بفتح الخاء المعجمة ( والله لا نطعمه حتى تطعمه قال) أبو بكر -رضي الله عنه-: ( لم أر في الشر كالليلة) أي لم أر ليلة مثل هذه الليلة في الشر ( ويلكم) أي يقصد بها الدعاء عليهم ( ما أنتم) استفهام ( لم لا) ولأبي ذر ألا ( تقبلون عنا قراكم هات) يا عبد الرحمن ( طعامك فجاءه) به ولأبي ذر فجاء به ( فوضع) أبو بكر -رضي الله عنه- ( يده) فيه ( فقال: بسم الله) الحالة ( الأولى) وهي حالة غضبه وحلفه أن لا يطعم في تلك الليلة ( للشيطان) أو اللقمة التي أحنث نفسه بها وأكل.
وقال في المصابيح: لا شك أن إحناثه وأكله مع الضيف خير من المحافظة على برّه المفضي إلى ضيق صدر الضيف وحصول الوحشة له والقلق فكيف يكون ما هو خير منسوبًا للشيطان فالظاهر هو القول الأول ( فأكل) أبو بكر -رضي الله عنه- استمالة لقلوبهم ( وأكلوا) أي الأضياف وقال ابن بطال: الأولى يعني اللقمة الأولى ترغيم للشيطان لأنه الذي حمله على الحلف وباللقمة الأولى وقع الحنث فيها.