فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التكني بأبي تراب، وإن كانت له كنية أخرى

باب التَّكَنِّى بِأَبِى تُرَابٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى
( باب) جواز ( التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى) سابقة قبل ذلك.


[ قــ :5875 ... غــ : 6204 ]
- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلاَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتْبَعُهُ فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِى الْجِدَارِ فَجَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَامْتَلأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا فَجَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ يَقُولُ: «اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ».

وبه قال: ( حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام البجلي الكوفي قال: ( حدّثنا سليمان) بن بلال قال: ( حدثني) بالإفراد ( أبو حازم) سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري أنه ( قال: إن كانت أحب أسماء عليّ -رضي الله عنه- إليه لأبو تراب) إن مخففة من الثقيلة ولفظ كانت زائدة كقوله:
وجيران لنا كانوا كرام
وأحب منصوب اسم إن وإن كانت مخففة لأن تخفيفها لا يوجب إلغاءها قاله في الكواكب، وأنث كانت باعتبار الكنية.
وقال السفاقسي: أنث على تأنيث الأسماء مثل: { وجاءت كل نفس} [ق: 21] وفيه إطلاق الاسم على الكنية واللام في لأبو تراب للتأكيد ( وإن كان ليفرح) بلام التأكيد أيضًا وإن مخففة من الثقيلة أيضًا والضمير لعلي ( أن يدعى بها) بضم أوله وفتح العين أن ينادى بها ولأبي الوقت أن يدعاها، وللحموي والمستملي أن يدعوها بضم العين بعدها واو فهاء أي يذكرها وفي الفتح عن رواية النسفيّ أن ندعوها بنون بدل الياء أي نذكرها ( وما سماه أبو تراب إلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع أبو على الحكاية وصوّب النصب السفاقسي على المفعولية وهو ظاهر نعم قيل إن في بعض النسخ بالنصب كذلك وسبب تكنيته بها أنه ( غاضب يومًا فاطمة) زوجته -رضي الله عنهما- ( فخرج) من عندها خشية أن يبدو منه في حالة الغيظ ما لا يليق بجناب فاطمة فحسم مادة الكلام إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما ( فاضطجع إلى الجدار إلى المسجد) كذا في رواية النسفيّ كما قاله في الفتح، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلى الجدار في المسجد بلفظ في بدل إلى في الثاني، وللكشميهني في جدار المسجد ( فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبعه) بسكون الفوقية مخففًا كذا في فرع اليونينية كهي قال في الفتح قوله يتبعه بتشديد المثناة من الإتباع، وقال العيني: ويروى من الثلاثي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يبتغيه بموحدة ساكنة فمثناة فوقية فغين معجمة من الابتغاء أي يطلبه ( فقال) :
( هوذا) أي عليّ ( مضطجع في الجدار فجاءه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد ( امتلأ ظهره ترابًا فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس يا أبا تراب) فاشتق له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حالته هذه الكنية.
قال الخليل: يقال لمن كان قائمًا اقعد ولمن كان نائمًا أجلس، وتعقبه ابن دحية بحديث الموطأ حيث قال للقائم اجلس، وفيه كرم خلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه توجه نحو علي ليترضاه ومسح التراب عن ظهره ليبسطه وداعبه بالكنية المذكورة ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع
منزلتها عنده ففيه استحباب الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم، وفيه أيضًا أن أهل الفضل قد يقع بينهم وبين أزواجهم ما جبل الله عليه البشر من الغضب وليس ذلك بعيب وفيه جواز تكنية الشخص بأكثر من كنية فإن عليًّا كانت نيته أبا الحسن.