فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: المعاريض مندوحة عن الكذب

باب الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ: سَمِعْتُ أَنَسًا مَاتَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ.

هذا ( باب) بالتنوين ( المعاريض) من التعريض خلاف التصريح ( مندوحة) بفتح الميم وسكون النون وضم الدال وبالحاء المهملتين أي في المعاريض من الاتساع ما يغني ( عن الكذب.
وقال إسحاق)
بن عبد الله بن أبي طلحة زيد الأنصاري مما سبق موصولاً في الجنائز ( سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- يقول ( مات ابن لأبي طلحة فقال: كيف الغلام) ؟ وكان جاهلاً بموته ( قالت أم سليم) : أم الغلام ( هدأ نفسه) بفتح الهاء والدال المهمملة بعدها همزة ونفسه بفتح الفاء واحد الأنفاس أي سكن نفسه وانقطع بالموت ( وأرجو أن يكون قد استراح) من بلاء الدنيا وألم أمراضها ( وظن) أبو طلحة ( أنها صادقة) باعتبار ما فهمه من كلامها لأن مفهومه أن الصبي تعافى لأن النفس إذا سكن أشعر بالنوم والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته، فالمرأة صادقة باعتبار مرادها وأما خبرها بذلك فهو غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة، فمن ثم قال الراوي: وظن أنها صادقة ومثل ذلك لا يسمى كذبًا على الحقيقة بل مندوحة عن الكذب.


[ قــ :5880 ... غــ : 6209 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَسِيرٍ لَهُ فَحَدَا الْحَادِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالْقَوَارِيرِ».

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن ثابت البناني) بضم الموحدة ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسير له فحدا الحادي) أنجشة الحبشي والحدو سوق الإبل والغناء لها ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ارفق يا أنجشة ويحك بالقوارير) متعلق بقوله ارفق، ولأبي ذر: ويحك القوارير بإسقاط الجار ونصب القوارير أي النساء فهو من المعاريض وهي التورية بالشيء عن الشيء كما مر معناه.

والحديث سبق قريبًا.




[ قــ :588 ... غــ : 610 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِى سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: يَعْنِى النِّسَاءَ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ابن زيد ( عن ثابت) البناني ( عن أنس و) عن حماد بن زيد عن ( أيوب) السختياني ( عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد ( عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في سفر وكان غلام يحدو بهن) أي بالنساء ( يقال له أنجشة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( رويدك) نصب على الإغراء أو مفعول بفعل مضمر أي الزم رويدك أو المصدر أي أرود رويدك أي أمهل ( يا أنجشة سوقك) نصب على الظرفية أي في سوقك ( بالقوارير قال أبو قلابة) بالسند ( يعني) بالقوارير ( النساء) .




[ قــ :588 ... غــ : 611 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ لاَ تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِى ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق أخبرنا حبان) قال في المقدمة: قال أبو علي الجياني: لم أجد إسحاق هذا منسوبًا عن أحد من رواة الكتاب، ولعله إسحاق بن منصور فإن مسلمًا قد روى في صحيحه عن حبان بن هلال.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: رأيته في رواية أبي على محمد بن عمر الشبوي في باب البيعان بالخيار قد قال فيه: حدّثنا إسحاق بن منصور حدّثنا حبان فهذه قرينة تقوّي ما ظنه أبو علي اهـ.

وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة آخره نون ابن هلال الباهلي قال: ( حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: ( حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( قال: كان لنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاد) بالتنوين من غير تحتية ( يقال له أنشجة وكان حسن الصوت فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد سمعه يحدو بالنساء:
( رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير) بجزم تكسر على النهي كسر للساكنين ( قال قتادة) بالسند ( يعني) بالقوارير ( ضعفة النساء) لسرعة التأثر فيهن.




[ قــ :5883 ... غــ : 61 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِى طَلْحَةَ فَقَالَ: «مَا رَأَيْنَا مِنْ شَىْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين وتشديد الدال الأولى المهملة ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج أنه ( قال: حدثني) بالإفراد ( قتادة) بن دعامة ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كان بالمدينة فزع) بفتح الفاء والزاي بعدها مهملة خوف فاستغاثوا ( فركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا) اسمه مندوب ( لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم سليم واستبرأ الخبر ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رجع:
( ما رأينا من شيء) يقتضي نوعًا ( وإن وجدناه) أي الفرس ( لبحرًا) بلام التأكيد وإن مخففة من الثقيلة وبحرًا المفعول الثاني لوجدنا وشبه الفرس بالبحر لسعة خطوه وسرعة جريه.
قال في فتح الباري: وكأن البخاري استشهد بحديثي أنس لجواز التعريض والجامع بين التعريض وبين ما دلا عليه استعمال اللفظ في غير ما وضع له لمعنى جامع بينهما.
وقال ابن المنير في شرح التراجم: حديث القوارير والفرس ليسا من المعاريض بل من المجاز فكان البخاري لما رأى ذلك جائزًا قال: فالمعاريض التي هي حقيقة أولى بالجواز اهـ.
ومحل جواز استعمال المعاريض إذا كانت فيما يخلص من الظلم أو يحصل الحق وأما استعمالها في إبطال حق أو تحصيل باطل فلا يجوز.

والحديث سبق في الجهاد.