فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رفع البصر إلى السماء

باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: 17 - 18] ،.

     وَقَالَ  أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ: عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.

( باب) جواز ( رفع البصر إلى السماء) وقوله تعالى: ( { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} ) طويلة ثم تبرك حتى تركب ويحمل عليها ثم تقوم ( { وإلى السماء كيف رفعت} ) [الغاشية: 17 - 18] رفعًا بعيد المدى بلا مساك ولا عمد ثم نجومها تكثر حتى لا تدخل في حساب الخلق، وتخصيص هذين والآيتين بعدهما وهما الجبال والأرض باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له والعرب تكون في البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل فهي أعز أموالهم وهم لها أكثر استعمالاً منهم لسائر الحيوانات، ولأنها مجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان وهي الغسل والدر والحمل والركوب
والأكل بخلاف غيرها، ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه سخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تمانع صغيرًا وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار، وجعلها بحيث تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت وتجرّه إلى البلاد الشاسعة، وصبرها على احتمال العطش حتى أن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعدًا، وجعلها ترعى كل نابت في البراري ما لا يرعاه سائر البهائم.
وغرض البخاري من هذه الآية ذكر السماء لينص على جواز رفع البصر إليها، وأما النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة فخاص بها لما هو مطلوب فيها من الخشوع وجمع الهمة وتطهير السر من السوى بحيث لا يكون فيه متسع لغيرها إذ المصلي يناجي ربه.

( وقال أيوب) بن أبي تميمة السختياني ( عن ابن أبي مليكة) عبد الله ( عن عائشة) -رضي الله عنها-: ( رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه إلى السماء) وصله أحمد وهو طرف من حديث أوّله مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي ويومي وبين سحري ونحري الحديث وفيه فرفع بصره إلى السماء وقال: "الرفيق الأعلى" وهو عند البخاري في الوفاة النبوية من طريق حماد بن زيد عن أيوب بلفظ فرفع رأسه إلى السماء.
وهذا التعليق ثبت في رواية المستملي والكشميهني وسقط لغيرهما.


[ قــ :5885 ... غــ : 6214 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّى الْوَحْىُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِى إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ».

وبه قال: ( حدّثنا ابن بكير) ولأبي ذر: يحيى بن بكير قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( يقول: أخبرني) بالإفراد ( جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- ( أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ثم فتر عني الوحي) احتبس بعد نزول { اقرأ باسم ربك} [الأعلى: 1] ثلاث سنين أو سنتين ونصفًا ( فبينما) بالميم وفي اليونيية بإسقاطها ( أنا أمشي) وجواب بينما ( سمعت صوتًا من السماء) في أثناء أوقات المشي ( فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو جبريل ( قاعد على كرسي بين السماء والأرض) الحديث.

وسبق في بدء الوحي أول الكتاب.




[ قــ :5886 ... غــ : 615 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى شَرِيكٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بِتُّ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ: { إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] .

وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (شريك) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الله بن أبي نمر (عن كريب) بضم الكاف ابن أبي مسلم مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بت في بيت ميمونة) أم المؤمنين خالته -رضي الله عنها- (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها) في نوبتها (فلما كان ثلث الليل الآخر) بمد الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني الأخير بقصر الهمزة وزيادة تحتية بعد المعجمة (أو بعضه) شك من الراوي (قعد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظر إلى السماء فقرأ عشر آيات من سورة آل عمران ({ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات} ) لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر ({ لأولي الألباب} ) [آل عمران: 190] لمن خلص عقله عن الهوى خلوص اللب عن القشر فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث الجواهر لأن جوهرًا ما لا يخلو عن عرض حادث وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث، ثم حدوثها يدل على محدثها وذا قديم وإلا لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى وحسن صنعه يدل على علمه وإتقانه يدل على حكمته وبقاؤه يدل على قدرته قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها" رواه ويحكى أن في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة فعبدها فتى فلم تظله فقالت له أمه: لعل فرطة فرطت منك في مدتك قال: ما أذكر.
قالت: لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر.
قال: لعل.
قالت: فما أتيت إلا من ذاك.

والحديث مرّ في أبواب الوتر وتفسير سورة آل عمران، ومطابقته للترجمة لا خفاء فيها، وسقط لأبي ذر ({ واختلاف الليل والنهار} ) الخ.
وقال: بعد قوله ({ والأرض} ) الآية.