فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بدء السلام

كتاب الاستئذان
وهو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن وقد أجمعوا على مشروعيته وتظاهرت به دلائل القرآن والسنّة.


باب بَدْءِ السَّلاَمِ
( باب بدء السلام) بفتح الباء الموحدة وسكون الدال المهملة وبالواو من غير همز، ولأبي ذر بدء بالهمز بمعنى الابتداء أي أوّل ما وقع السلام، وأشار بالترجمة للسلام مع الاستئذان إلى أنه لا يؤذن لمن لم يسلم كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في الباب التالي مبحثه.


[ قــ :5898 ... غــ : 6227 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن جعفر) البيكندي قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد البصري ( عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( خلق الله آدم على صورته) الضمير عائد على آدم أي خلقه تمامًا مستويًا ( طوله ستون ذراعًا) لم يتغير عن حاله ولا كان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم جنينًا ثم طفلاً ثم رجلاً حتى تم طوله فلم يتنقل من الأطوار كذريته، وفيه كما قال ابن بطال: إبطال قول الدهرية أنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة ولا نطفة إلا من إنسان، وقيل: إن لهذا الحديث سببًا حذف من هذه الرواية
وإن أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك وقال له: "إن الله خلق آدم على صورته".
رواه .
وللبخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعًا: لا يقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك، وقيل الضمير لله لما في بعض الطرق على صورة الرحمن أي على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء وقال التوربشتي: وأهل الحق في ذلك طبقتين.

إحداهما المتنزهون عن التأويل مع نفي التشبيه وإحالة العلم إلى علم الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علمًا وهذا أسلم الطريقتين.

والطبقة الأخرى يرون الإضافة فيها إضافة تكريم وتشريف وذلك أن الله تعالى خلق آدم على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الجمال والكمال وكثرة ما احتوت عليه من الفوائد الجليلة.
وقال الطيبي: تأويل الخطابي في هذا المقام حسن يجب المصير إليه لأن قوله طوله بيان لقوله على صورته كأنه قيل خلق آدم على ما عرف من صورته الحسنة وهيئته من الجمال والكمال وطول القامة، وإنما خص الطول منها لأنه لم يكن متعارفًا بين الناس، وقال القرطبي: كأن من رواه على صورة الرحمن أورده بالمعنى متمسكًا بما توهمه فغلط في ذلك، وقوله ستون ذراعًا يحتمل أن يريد بقدر ذراع نفسه أو الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين والأول أظهر لأن ذراع كل أحد ربعه، فلو كان بالذراع المعهود كانت يده قصيرة في جنب طول جسده.

( فلما خلقه قال) ولأبي ذر خلقه الله قال: ( اذهب فسلّم على أولئك النفر) عدة من الرجال من ثلاثة إلى عشرة.
وقال في شرح المشكاة: وتخصيص السلام بالذكر لأنه فتح باب المودّات وتأليف القلوب المؤدي إلى استكمال الإيمان، كما ورد: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا إلى قوله: أفشوا السلام والسلام هو اسم الله فالمعنى اسم الله عليك أي أنت في حفظه وقيل السلامة أي السلامة مستعلية عليك ملازمة لك ولأبي ذر نفر ( من الملائكة جلوس) قال في الفتح: ولم أقف على تعيينهم ( فاستمع) بالفوقية وكسر الميم ولأبي ذر عن الكشميهني فاسمع بإسقاط الفوقية وفتح الميم ( ما يحيونك) بالحاء المهملة بين التحتيتين ولأبي ذر كما في الفتح يجيبونك بالجيم المكسورة والتحتية الساكنة بعدها موحدة من الجواب ( فإنها) أي الكلمات التي يحيون أو يجيبون بها ( تحيتك وتحية ذريتك) المسلمين شرعًا لكن في حديث عائشة مرفوعًا: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين" أخرجه ابن ماجة وصححه ابن خزيمة وهو يدل على أنه شرع لهذه الأمة دونهم ( فقال) لهم آدم ( السلام عليكم) واستدلّ بهذا على أن هذه
الصيغة هي المشروعة لابتداء السلام لقوله فهي تحيتك وتحية ذريتك فلو حذف اللام جاز.
قال تعالى: ( { سلام عليكم} ) [الرعد: 24] لكن اللام أولى لأنها للتفخيم، وقال النووي ولو قال: وعليكم السلام بالواو لا يكون سلامًا ولا يستحق جوابًا لأنها لا تصلح للابتداء قاله المتولي، فلو أسقط الواو أجزأ ويجب الجواب لأنه سلام، وكرهه الغزالي في الإحياء، وعن بعض الشافعية فيما نقله ابن دقيق العيد أن المبتدئ لو قال: عليكم السلام لم يجز لأنها صيغة جواب قال: والأولى الجواز لحصول مسمى السلام ( فقالوا) له الملائكة ( السلام عليك) استدلّ به على جواز أن يقع الرد باللفظ الذي ابتدئ به كما مر ويأتي مزيد لذلك قريبًا إن شاء الله تعالى، ولأبي ذر عن الكشميهني عليك السلام ( ورحمة الله فزادوه) الملائكة ( ورحمة الله) وهو مستحب اتفاقًا، فلو زاد المبتدئ رحمة الله استحب أن يزاد وبركاته ولو زاد وبركاته فهل تشرع الزيادة في الردّ؟ وكذا لو زاد المبتدئ على بركاته هل يشرع له ذلك؟ عن ابن عباس مما في الموطأ قال: انتهى السلام إلى البركة، وعن ابن عمر الجواز ففي الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات، وفي الأدب المفرد عن سالم مولى ابن عمر أنه أتى ابن عمر مرة فقال: السلام عليكم، فقال السلام عليكم ورحمة الله، ثم أتيته فزدته وبركاته فردّ وزادني وطيب صلواته واتفقوا على وجوب الرد على الكفاية.
قال الحليمي: وإنما كان الرد واجبًا لأن السلام معناه الأمان فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه ( فكل من يدخل الجنة) هو مرتب على ما سبق من قوله خلق الله آدم على صورته فالفاء فصيحة ولأبي ذر والأصيلي يعني الجنة.
قال في الفتح: كأن لفظ الجنة سقط فزيد فيه يعني ( على صورة أم) خبر المبتدأ الذي هو فكل من ( فلم يزل الخلق ينقص) من طوله وجماله ( بعد) أي بعد آدم ( حتى الآن) فإذا دخلوا الجنة عادوا إلى ما كان عليه أبوهم من الحسن والجمال وطول القامة.
قيل: وقوله فلم يزل الخ هو معنى قوله تعالى: ( { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين} ) [التين: 5] قيل إن في الحديث أن الملائكة يتكلمون بالعربية وعورض باحتمال أن يكون بغير اللسان العربي ثم لما خلق العرب ترجم بلسانهم.

والحديث سبق في بدء الخلق وأخرجه مسلم.