فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب آية الحجاب

باب آيَةِ الْحِجَابِ
( باب) ذكر نزول ( آية الحجاب) في أمر نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالاحتجاب من الرجال ولأبي ذر عن الكشميهني علامة الحجاب بدل آية الحجاب.


[ قــ :5909 ... غــ : 6238 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرًا حَيَاتَهُ وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ وَقَدْ كَانَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِى عَنْهُ وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِى مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِىَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطَالُوا الْمُكْثَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ كَىْ يَخْرُجُوا فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَظَنَّ أَنْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا فَأُنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ فَضَرَبَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ سِتْرًا.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي نزيل مصر قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: ( أخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله) ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي وقت قدومه ( المدينة) قال: ( فخدمت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرًا)
من السنين ( حياته) أي بقية حياته إلى أن مات ( وكنت أعلم الناس بشأن) سبب نزول ( الحجاب حين أنزل) بضم الهمزة ( وقد كان أبي بن كعب يسألني عنه) أي عن سبب نزوله ( وكان أول ما نزل في مبتنى) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح الفوقية والنون من الابتناء أي زفاف ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزينب ابنة) ولأبي ذر بنت ( جحش) الأسدية ( أصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها عروسًا) نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما ( فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( القوم) لوليمته وجاؤوا ( فأصابوا) فأكلوا ( من الطعام ثم خرجوا وبقي منهم رهط) ثلاثة لم يسموا ( عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحجرة ( فأطالوا المكث فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج) من الحجرة ليخرجوا ( وخرجت معه كي يخرجوا فمشى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة) -رضي الله عنها-، وفي تفسير سورة الأحزاب من غير هذا الوجه فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله" فقالت: وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك بارك الله لك.
فتعهد حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ( ثم ظن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يتفرقوا فرجع رسول الله) ولأبي ذر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجعت معه حتى بلغ عتبة حجرة عائشة فظن أن قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فأنزل) بضم الهمزة ( آية الحجاب) { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية وسقط للحموي والمستملي لفظ آية ( فضرب) عليه الصلاة والسلام ( بيني وبينه سترًا) .

والحديث مضى في تفسير سورة الأحزاب.




[ قــ :5910 ... غــ : 639 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ دَخَلَ الْقَوْمُ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ، فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ، وَقَعَدَ بَقِيَّةُ الْقَوْمِ وَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيَةَ.

قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: فِيهِ مِنَ الفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ حِينَ قَامَ وَخَرَجَ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومُوا.

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال: ( حدّثنا معتمر قال أبي) سليمان التيمي ( حدّثنا أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم بعدها لام مفتوحة فزاي لاحق بن حميد ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لما تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب) بنت جحش ( دخل القوم) حجرتها بعد أن دعاهم لوليمتها ( فطعموا) من الخبز واللحم ( ثم جلسوا يتحدثون فأخذ) أي جعل وشرع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( كأنه يتهيّأ للقيام) ليقوموا ( فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام) ثبت لفظ ذلك للأصيلي ( فلما قام قام من قام من القوم وقعد بقية القوم وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة وكسرها مصححًا عليها في الفرع ( جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا) لما فهموا المراد ( فانطلقوا فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء حتى دخل) الحجرة ( فذهبت أدخل فألقى الحجاب) أي الستر ( بيني وبينه وأنزل الله تعالى { يا أيها الدين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} الآية) [الأحزاب: 53] إلى آخرها.

( وقال أبو عبد الله) البخاري: ( فيه) أي الحديث ( من الفقه أنه لم يستأذنهم) أي لم يستأذن القوم الذين تخلفوا ( حين قام وخرج) فلا يحتاج في القيام والخروج إلى إذن الأضياف ( وفيه أنه تهيأ للقيام وهو يريد أن يقوموا) ففيه جواز التعريض بذلك، وقول البخاري هذا ثابت في رواية أبي الوقت وأبي ذر عن المستملي وسقط للباقين.
قال في الفتح: وهو أولى فإنه أفرد لذلك ترجمة تأتي بعد اثنين وعشرين بابًا إن شاء الله تعالى.




[ قــ :5911 ... غــ : 640 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْجُبْ نِسَاءَكَ قَالَتْ: فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجْنَ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهْوَ فِى الْمَجْلِسِ فَقَالَ: عَرَفْتُكِ يَا سَوْدَةُ حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني ( إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه قال: ( أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) ثبت ابن إبراهيم لأبي ذر قال: ( حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط زوج النبي الخ لأبي ذر ( قالت: كان عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( يقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : يا رسول الله ( احجب نساءك) فإنه يدخل عليك البر والفاجر ( قالت: فلم يفعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وكان أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرجن) للبراز للبول والغائط ( ليلاً إلى ليل قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المناصع موضع معروف بالمدينة ( خرجت) ولأبي ذر فخرجت ( سودة بنت زمعة) القرشية أم المؤمنين -رضي الله عنها- ليلة من الليالي.
وثبت بنت زمعة في رواية أبي ذر ( وكانت امرأة طويلة فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال) لها: ( عرفتك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عرفناك ( يا سودة حرصًا) نصب مفعولاً له لقوله عرفتك ( على أن ينزل الحجاب قالت) عائشة: ( فأنزل الله عز وجل آية الحجاب) سقط لفظ آية لأبي ذر.

واستشكل بأنه ثبت أن قصة زينب كان سببًا لنزول آية الحجاب فتعارضا.
وأجيب: بأن
عمر حرض على ذلك حتى قال لسودة ما قال.
فوقعت القصة المتعلقة بزينب فنزلت الآية، فكان كل من الأمرين سببًا لنزولها أو أن عمر تكرر منه هذا القول قبل الحجاب وبعده أو أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى، وقد سبق موافقات عمر -رضي الله عنه- في سورة الأحزاب.