فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة «

باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ.

( باب ما جاء في القبلة) غير ما ذكر ( ومن لا يرى الإعادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ومن لم يرَ الإعادة ( على من سها فصلّى إلى غير القبلة) الفاء تفسيرية لأنه تفسير لقوله سها

قاله البرماوي كالكرماني وتعقبه العيني فقال فيه بعد، والأولى أن تكون للسببية كقوله تعالى: { فتصبح الأرض مخضرّة} [الحج: 63] وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا صلّى به فتيقن الخطأ في الجهة في الوقت أو بعده فإنه يقضي على الأظهر، والثاني لا يجب القضاء لعذره بالاجتهاد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي والثوري، لأن جهة تحرّيه هي التي خوطب باستقبالها حالة الاشتباه فأتى بالواجب عليه فلا يعيدها، وقال المالكية يعيد في الوقت المختار وهو مذهب المدوّنة، وقال أبو الحسن المرداوي من الحنابلة في تنقيح المقنع: ومَن صلّى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم يعد.
أهـ.

فلو تيقن الخطأ في الصلاة وجب استئنافها عند الشافعية والمالكية ويستدير إلى جهة القبلة ويبني على ما مضى عند الحنفية وهو قول للشافعية، لأن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في الصلاة إليها.

( وقد سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ركعتي الظهر) وللأصيلي ركعتين من الظهر ( وأقبل على الناس بوجهه)
الشريف، ( ثم أتمّ ما بقي) من الركعتين الأخيرتين.

وهذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة فى قصة اليدين المشهور، ووجه ذكره في الترجمة أنه عليه الصلاة والسلام بانصرافه وإقباله على الناس بوجهه بعد سلامه كان وهو عند نفسه الشريفة في غير صلاة، فلما مضى على صلاته كان وقت استدبار القبلة في حكم المصلّي، فيؤخذ منه أن من اجتهد ولم يصادف القبلة لا يعيد.



[ قــ :396 ... غــ : 402 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وَآيَةُ الْحِجَابِ،.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ".
[الحديث 402 - أطرافه في: 4483، 4790، 4916] .

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا.

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن عون) بالنون أبو عثمان الواسطي البزاز بزايين نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة وسكون المثناة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( عن حميد) الطويل ( عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك ( قال) :

( قال عمر) بن الخطاب وللأصيلي رضي الله عنه: ( وافقت ربي في ثلاث) أي وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعًا، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه كذا قال العيني كابن حجر وغيره، لكن قال صاحب اللامع: لا يحتاج إلى ذلك، فإن مَن وافقك فقد وافقته انتهى.

قال في الفتح: أو أشار به إلى حدث رأيه وقدم الحكم، وقوله في ثلاث أي قضايا أو أمور ولم يؤنّث مع أن الأمر مذكر لأن التمييز إذا لم يكن مذكورًا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة، فقد روي عنه موافقات بلغت الخمسة عشر: أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وتحريم الخمر.
ويحتمل أن يكون ذلك قبل الموافقة في غير الثلاث، ونوزع فيه لأن عمر أخبر بهذا بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يتجه ما ذكر من ذلك.

( قلت) ولغير الأربعة فقلت: ( يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده بحذف جواب لو أو هي للتمني فلا تفتقر إلى جواب، وعند ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني ( فنزلت { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وآية الحجاب) برفع آية على الابتداء والخبر محذوف أي كذلك أو على العطف على مقدر أي هو اتخاذ مصلّى، وآية الحجاب وبالنصب على الاختصاص وبالجرّ عطفًا على مقدّر، أي اتخاذ مصلّى من مقام إبراهيم وهو بدل من قوله ثلاث ( قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلّمهنّ البرّ) بفتح الموحدة صفة مشبهة ( والفاجر) الفاسق وهو مقابل البر ( فنزلت آية الحجاب) : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنّ} [الأحزاب: 59] ( واجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة وهي الحمية والأنفة ( فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ) ليس في ما يدل على أن في النساء خيرًا منهن لأن المعلّق بما لم يقع لا يجب وقوعه ( فنزلت هذه الآية) .

وبه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم كذا في رواية كريمة ولأبي ذر عن المستملي، قال أبو عبد الله أي المؤلّف: وحدّثنا ابن أبي مريم، ولابن عساكر قال محمد أي المؤلّف أيضًا.
وقال ابن أبي مريم، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقال ابن أبي مريم: ( أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( حميد) الطويل ( قال: سمعت أنسًا) أي ابن مالك ( بهذا) أي بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس، فحصل الأمن من تدليسه، واستشكل بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري، وإن خرّج له في المتابعات.
وأُجيب: بأن هذه من جملة المتابعات ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور، فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدّثنا أنس قاله في الفتح.





[ قــ :397 ... غــ : 403 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا.
وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ".
[الحديث 403 - أطرافه في: 4488، 4490، 4491، 4493، 4494، 751] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك بن أنس) وسقط قوله ابن أنس عند الأصيلي وابن عساكر ( عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال) :
( بينا الناس بقباء) بالمد والتذكير والصرف على الأشهر أي بينا الناس بمسجد قباء وهم ( في صلاة الصبح) ولا منافاة بين قوله هنا الصبح وقوله في حديث البراء العصر إذ المجيء إلى بني حارثة داخل المدينة وإلى بني عمرو بن عوف بقباء وقت الصبح، وقوله: بنا أضيف إلى المبتدأ والخبر وجوابه قوله: ( إذ جاءهم) أي أهل قباء ( آت) بالمد هو عباد بن بشر بتشديد الموحدة لأن القصد البعض، وفي رواية الأصيلي القرآن بأل التي للعهد أي قوله تعالى: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الأيات وأطلق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا، ( وقد أمر) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( أن) أي بأن ( يستقبل) أي باستقبال ( الكعبة فاستقبلوها) بفتح الموحدة عند جمهور الرواة على أنه فعل ماضٍ، ( وكانت وجوههم إلى الشام) تفسير من الراوي للتحوّل المذكور، والضمير في فاستقبلوها ووجوههم لأهل قباء أو للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ومَن معه، وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر لأهل قباء، ويؤيده ما عند المؤلّف في التفسير، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها، ( فاستداروا إلى الكعبة) بأن تحوّل الإمام من مكانه في مقدّم المسجد إلى مؤخره، ثم تحوّلت الرجال حتى صاروا خلفه؟ وتحوّل النساء حتى صرن خلف الرجال، واستشكل هذا لما فيه من العمل الكثير في الصلاة.
وأُجيب باحتمال وقوعه قبل التحريم أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة.

واستنبط من الحديث أن الذي يؤمر به عليه الصلاة والسلام يلزم أمته، وأن أفعاله يؤتسى بها كأقواله حتى يقوم دليل على الخصوصية، وأن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلّف حتى يبلغه وقبول خبر الواحد ووجه استدلال المؤلّف به أنهم صلّوا إلى القبلة المنسوخة التي هي غير القبلة الواجب استقبالها جاهلين بوجوبه ولم يؤمروا بالإعادة.
ورواة هذا الحديث أئمة مشهورون، وفيه التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه في التفسير ومسلم والنسائي في الصلاة.





[ قــ :398 ... غــ : 404 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيى) القطّان ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن الحكم) بن عتيبة ( عن إبراهيم) النخعي ( عن علقمة) بن قيس النخعي ( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه ( قال) :
( صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر خمسًا) أي خمس ركعات، ( فقالوا: أزيد في الصلاة، قال) عليه الصلاة والسلام ( وما ذاك) أي ما سبب هذا السؤال؟ ( قالوا صلّيت خمسًا) قال ( فثنى) عليه الصلاة والسلام أي عطف ( رجليه) بالتثنية ولابن عساكر رجله بالإفراد ( وسجد سجدتين) للسهو.

ولما فرغ المؤلّف من بيان أحكام القبلة شرع في بيان أحكام المساجد فقال: