فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب القسمة، وتعليق القنو في المسجد قال أبو عبد الله: «القنو العذق والاثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان مثل صنو وصنوان»

باب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْقِنْوُ الْعِذْقُ، وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ.
مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ.

( باب القسمة) للشيء ( وتعليق القنو) بكسر القاف وسكون النون ( في المسجد) اللام للجنس والجار متعلق بقوله القسمة وتعليق ( قال أبو عبد الله) أي البخاري رحمه الله: ( القنو) هو ( العذق) بكسر المهملة وسكون المعجمة وهي الكباسة بشماريخه وبسره وأما بفتح العين المهملة فالنخلة، ( والاثنان قنوان) كفعلان بكسر الفاء والنون ( والجماعة أيضًا قنوان) بالرفع والتنوين وبه يتميز عن المثنى كثبوت نونه عند إضافته بخلاف المثنى فتحذف ( مثل صنو وصنوان) في الحركات والسكنات والتثنية والجمع والصاد فيهما مكسورة وهو أن تبرز نخلتان أو ثلاثة من أصل واحد، فكل واحدة منهنّ صنو واحد، والاثنان صنوان بكسر النون، والجمع صنوان بإعرابها، ولم يذكر المؤلّف جمعه لظهوره من الأوّل.
وهذا التفسير من قوله قال إلخ ثابت عند أبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت ساقط لغيرهم.


[ قــ :413 ... غــ : 421 ]
- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلاَّ أَعْطَاهُ.
إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذْ فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَىَّ.
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ.
قَالَ: لاَ.
فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَىَّ.
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ.
قَالَ: «لاَ».
فَنَثَرَ مِنْهُ.
ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ -حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا- عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ.
فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ.
[الحديث 421 - طرفاه في: 3049، 3165] .

( وقال إبراهيم يعني ابن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء ابن شعبة الخراساني وسقط اسم أبيه في رواية الأربعة، وإثباته هو الصواب كما قاله ابن حجر ليزول الاشتباه، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج والحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن إبراهيم بن طهمان ( عن عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد وفتح الهاء ( عن أنس رضي الله عنه قال) :

( أتي رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم أتي مبنيًّا للمفعول ( بمال) وكان مائة ألف كما عند ابن أبي شيبة من طريق حميد مرسلاً وكان خراجًا ( من البحرين) بلدة بين بصرة وعمان ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( انثروه) بالمثلثة أي صبوه ( في المسجد وكان أكثر مال أُتي به رسول الله ل-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى
الصلاة ولم يلتفت إليه)
أي إلى المال، ( فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحدًا إلاّ أعطاه) منه ( إذ جاءه) ( العباس) عمه ( رضي الله عنه) قال في المصابيح: المعنى والله أعلم فبينما هو على ذلك إذ جاءه العباس ( فقال: يا رسول الله أعطني) فإني فاديت نفسي يوم بدر ( وفاديت عقيلاً) بفتح العين المهملة وكسر القاف ابن أخي أي حين أسرنا يوم بدر ( فقال له) أي للعباس ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خذ.
فحثى)
بالمهملة والمثلثة من الحثية وهي ملء اليد ( فى ثوبه) أي حثى العباس في ثوبه نفسه، ( ثم ذهب) رضي الله عنه ( يقله) بضم الياء أي يرفعه ( فلم يستطع) حمله ( فقال: يا رسول الله أؤمر بعضهم يرفعه إليَّ) بياء المضارعة.
والجزم جوابًا للأمر أي فإن تأمره يرفعه أو بالرفع استئنافًا أي: هو يرفعه والضمير المستتر فيه يرجع إلى البعض، والبارز إلى المال الذي حثاه في ثوبه، وأؤمر بهمزة مضمومة فأخرى ساكنة، وتحذف الأولى عند الوصل وتصير الثانية ساكنة، وهذا جار على الأصل.

وللأصيلي مُر على وزن على فحذف منه فاء الفعل لاجتماع المثلين في أوّل كلمة، وهو مؤدّ إلى الاستثقال فصار أمر فاستغنى عن همزة الوصل لتحرّك ما بعدها فحذفت، ولأبي ذر في نسخة يرفعه بالموحدة المكسورة وسكون الفاء.
( قال) عليه السلام ( لا) آمر أحدًا يرفعه.
( قال: فارفعه أنت عليّ) قال: ( لا) أرفعه وإنما فعل عليه السلام ذلك معه تنبيهًا له على الاقتصاد وترك الاستكثار من المال، ( فنثر) العباس ( منه ثم ذهب يقله) فلم يستطع حمله ( فقال) العباس ( يا رسول الله اؤمر) وللأصيلي مر ( بعضهم يرفعه) بالجزم أو الرفع ( قال: لا) آمر ( قال: فارفعه أنت عليّ، قال) عليه الصلاة والسلام ( لا) أرفعه ( فنثر منه) العباس ( ثم احتمله فألقاه على كاهله) ما بين كتفيه، ( ثم انطلق) رضي الله عنه ( فما زال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبعه) بضم أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه من الاتباع أي ما زال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبع العباس ( بصره حتى خفي علينا عجبًا من حرصه) بفتح العين والنصب مفعولاً مطلقًا، ( فما قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من ذلك المجلس ( وثم) بفتح المثلثة أي وهناك ( منها) أي من الدراهم ( درهم) جملة حالية من مبتدأ مؤخر وهو درهم وخبره منها، ومراده نفي أن يكون هناك درهم فالحال قيد للمنفي لا للنفي، فالمجموع منتفٍ بانتفاء القيد لانتفاء المقيد وإن كان ظاهره نفي القيام حالة ثبوت الدراهم قاله البرماوي والعيني نحوه، ولم يذكر المؤلّف حديثًا في تعليق القنو، لكن قال ابن الملقن: أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع أن كلاًّ منهما وضع لأخذ المحتاجين منه، وأشار بذلك إلى
حديث عوف بن مالك الأشجعي عند النسائي بإسناد قوي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج وبيده عصا وقد علق رجل قنو حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو شاء ربّ هذه الصدقة لتصدّق بأطيب من هذا وليس على شرطه.