فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المساجد في البيوت

باب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ جَمَاعَةً
( باب) اتخاذ ( المساجد في البيوت.
وصلّى البراء بن عازب)
رضي الله عنه ( في مسجده) وللأربعة فى مسجد ( في داره جماعة) كما رواه ابن أبي شيبة بمعناه، وللكشميهني في جماعة.



[ قــ :417 ... غــ : 425 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ.
وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ -أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ-؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُلْ ذَلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟.
قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ.

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء نسبة إلى جدّه لشهرته به وأبوه كثير وعين سعيد مكسورة وهو مصري ( قال: حدّثني) بالإفراد ( الليث) بن سعد المصري ( قال: حدّثتي) بالإفراد أيضًا ( عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( قال) :
( أخبرني) بالإفراد ( محمود بن الربيع) بفتح الراء ( الأنصاري أن عتبان بن مالك) الأعمى وعين عتبان بالكسر والضم، وعند أبي عوانة من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب التصريح بتحديث عتبان لمحمود كما عند المؤلّف التصريح بسماع محمود من عتبان، ( وهو من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممّن شهد بدرًا من الأنصار) رضي الله عنهم ( أنّه أتى رسول الله) ولمسلم أنه بعث إلى رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)

وجمع بينهما بأنه جاء إليه مرة بنفسه وبعث إليه أخرى ( فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري) أراد به ضعف بصره كما لمسلم أو عماه كما عند غيره، والأولى أن يكون أطلق العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة ( وأنا أصلّي لقومي) أي لأجلهم يعني أنه كان يؤمّهم ( فإذا كانت الأمطار) أي وجدت ( سال) الماء في ( الوادي الذي بيني وبينهم) فيحول بيني وبين الصلاة معهم لأني ( لم أستطع أن آتي مسجدهم) ولابن عساكر المسجد ( فأصلّي بهم) بالموحدة ونصب أصلي عطفًا على آتي، وللأصيلي فأصلّي لهم أي لأجلهم، ( ووددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت ( يا رسول الله أنك تأتيني فتصلّي) بالسكون أو بالنصب كما في الفرع جوابًا للتمنِّي ( في بيتي

فاتخذه مصلّى)
برفع فاتخذه على الاستئناف أو بالنصب أيضًا كما في الفرع عطفًا على الفعل المنصوب، كذا قرّره الزركشي وغيره، وتعقبه الدماميني فقال: إن ثبتت الرواية بالنصب فالفعل منصوب بأن مضمرة وإضمارها هنا جائز لا لازم، وأن والفعل بتقدير مصدر المسبوك من أنك تأتيني أي: وددت إتيانك فصلاتك فاتخاذي مكان صلاتك مصلّى، وهذا معطوف على المصدر المسبوك ليس في شيء من جواب التمني الذي يريدونه، وكيف ولو ظهرت أن هنا لم يمتنع وهناك يمتنع، ولو رفع تصلي وما بعده بالعطف على الفعل المرفوع المتقدّم وهو قولك: تأتيني لصحّ والمعنى بحاله انتهى.

( قال) الراوي ( فقال له) أي لعتبان ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأفعل) ذلك ( إن شاء الله) علقه بمشيئة الله تعالى لآية الكهف لا لمجرّد التبرّك لأن ذاك حيث كان الشيء مجزومًا به قاله البرماوي كالكرماني، وجوز العيني كابن حجر كونه للتبرّك لأن اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوحي على الجزم، بأن ذلك سيقع غير مستبعد، ( قال عتبان) يحتمل أن يكون محمود أعاد اسم شيخه اهتمامًا بذلك لطول الحديث، ( فغدا رسول الله) ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: فغدا عليّ رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه زاد الإسماعيلي بالغد، وللطبراني أن السؤال كان يوم الجمعة والمجيء إليه يوم السبت ( حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول ( فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي: فاستأذنا فأذنت لهما أي للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وأبي بكر، وفي رواية أبي أُويس ومعه أبو بكر وعمر، ولمسلم من طريق أنس عن عتبان فأتاني ومَن شاء الله من أصحابه وجمع بأنه كان عند ابتداء التوجّه هو وأبو بكر، ثم عند الدخول اجتمع عمر وغيره فدخلوا معه عليه الصلاة والسلام، ( فلم يجلس) عليه الصلاة والسلام ( حين دخل البيت) وللكشميهني حتى دخل أي لم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه، ( ثم قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك) وللكشميهني في بيتك ( قال) عتبان: ( فأشرت له) عليه الصلاة والسلام ( إلى ناحية من البيت) يصلّي فيها ( فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكبر فقمنا فصففنا) بالفك للأربعة، ونا فاعل، ولغيرهم: فصفنا بالإدغام، ونا مفعول ( فصلّى) عليه الصلاة والسلام ( ركعتين ثم سلّم) من الصلاة.
واستنبط منه مشروعية صلاة النافلة في جماعة بالنهار ( قال) عتبان: ( وحبسناه) أي منعناه بعد الصلاة عن الرجوع ( على خزيرة صنعناها له) بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون المثناة التحتية وفتح الراء آخرها تأنيث لحم يقطع صغارًا
يطبخ بماء يذر عليه بعد النضج من دقيق، وإن عرف عن اللحم فعصيدة.
وقال النضر: هي من النخالة والحريرة بالمهملات دقيق يطبخ بلبن ( قال) عتبان ( فثاب) بالمثلثة والموحدة بينهما ألف أي جاء ( في البيت رجال من أهل الدار) أي المحلة ( ذوو عدد) بعضهم إثر بعض لما سمعوا بقدومه عليه الصلاة والسلام ( فاجتمعوا) الفاء للعطف، ومن ثم لا يحسن تفسير ثاب رجال باجتمعوا لأنه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف الأصل، فالأولى تفسيره بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ ونبّه عليه في المصابيح، ( فقال قائل منهم) لم يسم: ( أين مالك بن الدخيشن) بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وكسر الشين المعجمة آخره نون ( أو ابن الدخشن) بضم أوّله وثالثه وسكون ثانيه شك الراوي هل هو مصغّر أو مكبّر؟ لكن عند المؤلّف رحمه الله في المحاربين من رواية معمر مكبر من غير شك، وفي رواية لمسلم الدخشم بالميم، ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أنه الصواب، ( فقال بعضهم) قيل هو عتبان بن مالك راوي الحديث: ( ذلك) باللام أي لبن الدخيشن أو ابن الدخشن أو ابن الدخشم ( منافق لا يحب الله ورسوله) لكونه يودّ أهل النفاق، ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رادًّا على القائل مقالته هذه: ( لا تقل ذلك) عنه ( ألا تراه) بفتح المثناة ( قد قال لا الله إلاّ الله) أي مع قول محمد رسول الله ( يريد بذلك وجه الله) أي ذات الله تعالى، فانتفت عنه الظنّة بشهادة الرسول له بالإخلاص ولله المنّة ولرسوله.
( قال) القائل: ( الله ورسوله أعلم) بذلك، وعند مسلم: أليس يشهد أن لا إله إلاّ الله وكأنه فهم من الاستفهام عدم الجزم بذلك، ولذا ( قال: فإنا نرى وجهه) أي توجهه ( ونصيحته إلى المنافقين، قال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي) أي يطلب ( بذلك وجه الله) عز وجل إذا أدّى الفرائض واجتنب المناهي، وإلاّ فمجرّد التلفظ بكلمة الإخلاص لا يحرم النار لما ثبت من دخول أهل المعاصي فيها، أو المراد من التحريم هنا تحريم التخليد جميعًا بين الأدلة.

( قال ابن شهاب) الزهري أي بالسند الماضي: ( ثم سألت الحصين) وللكشميهني: ثم سألت بعد ذلك الحصين ( بن محمد) بحاء مضمومة وصاد مفتوحة مهملتين ثم مثناة تحتية ساكنة، وضبطه القابسي بضاد معجمة وغلطوه ( الأنصاري) المدني من ثقات التابعين ( وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم) بفتح السين المهملة أي خيارهم ( عن حديث محمود بن الربيع) ولابن عساكر زيادة الأنصاري ( فصدقه بذلك) أي بالحديث المذكور.