فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلاة في البيعة

باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ
وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيل.


( باب) حكم ( الصلاة في البيعة) بكسر الباء الموحدة معبد النصارى كالكنائس والصلوات لليهود والصوامع للرهبان والمساجد للمسلمين والكنائس أيضًا للنصارى كالبيعة كما قاله الجوهري، وبه تحصل المطابقة بين الترجمة وذكر الكنائس الآتي إن شاء الله تعالى في قوله: ( وقال عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) مما وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال: لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعامًا وكان من عظمائهم وقال: أحبّ أن تجيبني وتكرمني فقال عمر: ( إنّا لا ندخل كنائسكم) بكاف الخطاب وللأصيلي كنائسهم بضمير الجمع الغائب ( من أجل التماثيل التي فيها الصور) جملة اسمية لأن الصور مبتدأ مرفوع خبره فيها أي في الكنائس، والجملة صلة الموصوف وقعت صفة للكنائس لا للتماثيل لفساد المعنى، لأن التماثيل هي الصور، وهذه رواية أبي ذر كما في الفرع، ووجهه في المصابيح بأن يكون خبر مبدأ محذوف والصلة فعلية أي التي استقرت فيها ووجهه الحافظ ابن حجر بقوله أي أن التماثيل مصوّرة، قال: والضمير على هذا للتماثيل.


وتعقبه العيني فقال: هذا توجيه مَن لا يعرف من العربية شيئًا، وفي بعض الأصول الصور بالجر على البدل من التماثيل أو عطف بيان، ويكون الموصول مع صلته صفة للتماثيل.
وصرّح ابن مالك بجوازه عطفًا بواو محذوفة، وللأصيلي والصور بواو العطف على التماثيل، والمعنى: ومن أجل الصور التي فيها.
وفي رواية صحح عليها في الفرع بالنصب على إضمار أعني والتماثيل جمع تمثال بمثناة فوقية فمثلثة وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعمّ من التمثال.
( وكان ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله البغوي في الجعديات ( يصلّي في البيعة إلاّ بيعة فيها تماثيل) فلا يصلّي فيها، وكرهه الحسن البصري، والمعنى فيه أنها مأوى الشياطين.


[ قــ :426 ... غــ : 434 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ -أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ- بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد) غير منسوب، ولابن عساكر محمد بن سلام، وعزاها في الفتح لابن السكن وهو البيكندي ( قال: أخبرنا) بالجمع وللأصيلي أخبرني ( عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن بن سليمان ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة ( عن عائشة) .

( أن أُم سلمة) رضي الله عنهما ( ذكرت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية) بالراء وتخفيف المثناة التحتية والرفع ( فذكرت له) عليه الصلاة والسلام ( ما رأت فيها) أي في الكنيسة ( من الصور، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولئك) بكسر الكاف خطابًا بالمؤنث ويجوز فتحها ( قوم إذا مات فيهم العبد الصالح) نبيّ أو غيره ( والرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوّروا فيه) أي في المسجد ( تلك الصور) ليتأنسوا بها.
وفي رواية تيك بمثناة تحتية بدل اللام في تلك والكاف فيها
تكسر وتفتح، ويؤخذ منه المطابقة لما ترجم له لأن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلّي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدًا.
( أولئك شرار الخلق عند الله) عز وجل زاد في باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية يوم القيامة وفي كاف أولئك الكسر والفتح.


باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من الباب السابق وسقط لفظ باب في رواية الأصيلي.

435 و 436 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: -وَهْوَ كَذَلِكَ- «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
[الحديث 435 - أطرافه في 1330، 1390، 3453، 4441، 4443، 5815] .
[الحديث 436 - أطرافه في: 3454، 4444، 5816] .

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة أن) الصدّيقة (عائشة وعبد الله بن عباس) رضي الله عنهم (قالا):
(لما نزل) الموت (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حذف الفاعل للعلم به، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي
نزل بضم النون مبنيًّا للمفعول (طفق) بكسر الفاء جواب لما أي جعل (يطرح خميصة) بالنصب مفعول يطرح أي كساء له أعلام الله على وجهه) الشريف (فإذا اغتمّ بها) بالغين المعجمة أي تسخن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدّة الحر (كشفها عن وجهه، فقال) عليه الصلاة والسلام (وهو كذلك) أي في حالة الطرح والكشف (لعنة الله على اليهود والنصارى) وكأنه سئل ما سبب لعنهم، فقال: (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وكأنه قيل للراوي ما حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت؟ فقال (يحذر) أمته أن يصنعوا بقبره مثل (ما صنعوا) أي اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، والحكمة فيه أنه ربما يصير بالتدريج شبيهًا بعبادة الأوثان.


فإن قلت: إن النصارى ليس لهم إلاّ نبي واحد وليس له قبر.
أجيب: بأن الجمع بإزاء المجموع من اليهود والنصارى، فإن اليهود لهم أنبياء أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء، وفي مسلم ما يؤيد ذلك حيث قال في طريق جندب: كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد أو أنه كان فيهم أنبياء أيضًا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الضمير راجع إلى اليهود فقط، أو المراد من أمروا بالإيمان بهم كنوح وإبراهيم.


ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه رواية صحابي وصحابية والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في اللباس والمغازي وذكر بني إسرائيل ومسلم والنسائي في الصلاة.


[ قــ :48 ... غــ : 437 ]
- حَدَّثَنًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مًالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهًابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قًالَ: «قًاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيًائِهِمْ مَسًاجِدَ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب) بفتح المثناة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قاتل الله اليهود) أي قتلهم الله لأن فاعل يأتي بمعنى فعل أو المعنى أبعد الله اليهود بسبب أنهم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وخصص اليهود هنا لأنهم الذين ابتدؤوا ابتداع هذا الاتخاذ واتبعتهم النصارى فاليهود أظلم.

ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة، وأبو داود في الجنائز والنسائي في الناس الوفاة.