فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بنيان المسجد

باب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ.

وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ.

     وَقَالَ : أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ.

وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.


( باب بنيان المسجد) النبوي ( وقال أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه مما وصله المؤلّف في الاعتكاف: ( كان سقف المسجد) النبوي ( من جريد النخل) أي الذي يجرد عنه الخوص فإن لم يجرد فسعف، ( وأمر عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ( ببناء المسجدِ) النبوي ( وقال) للصانع: ( أكنّ الناس من المطر) بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتح النون المشددة على صيغة الأمر من الأكنان أي اصنع لهم كنَّا بالكسر وهو ما يسترهم من الشمس وهي رواية الأصيلي وهي الأظهر، وفي رواية: أكن كذلك لكن مع كسر النون، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أكن بضم الهمزة والنون المشددة بلفظ المتكلم من الفعل المضارع المرفوع، وضبطه بعضهم كن بحذف الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون على صيغة الأمر على أن أصله أكن فحذفت الهمزة تخفيفًا.
قال القاضي: وهو صحيح، وجوّز ابن مالك كن بضم الكاف وحذف الهمزة على أنه من كن فهو مكنون أي صانه.
قال العيني كغيره وهذا له وجه ولكن الرواية لا تساعده ( وإياك) خطاب للصانع ( أن تحمر أو تصفر) أي إياك وتحمير المسجد وتصفيره ( فتفتن الناس) بفتح المثناة الفوقية وتسكين الفاء وفتح النون من فتن يفتن كضرب يضرب، وضبطه الزركشي بضم المثناة الفوقية على أنه من أفتن، وأنكره الأصمعي.

( وقال أنس) مما وصله أبو يعلى في مسنده وابن خزيمة في صحيحه: ( يتباهون) بفتح الهاء من المباهاة أي يتفاخرون ( بها) أي بالمساجد ( ثم لا يعمرونها) بالصلاة والذكر ( إلا قليلاً) بالنصب ويجوز الرفع على البدل من ضمير الفاعل.

( وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله أبو داود وابن حبّان ( لتزخرفنّها) بفتح لام القسم وضم المثناة الفوقية وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء دلالة على واو الضمير المحذوفة عند اتصال نون التوكيد من الزخرفة وهي الزينة بالذهب ونحوه، ( كما زخرفت اليهود والنصارى) كنائسهم وبيعهم لما حرّفوا الكتب وبدّلوها وضيّعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين.

واستنبط منه كراهية زخرفة المساجد لاشتغال قلب المصلّي بذلك أو لصرف المال في غير وجهه.
نعم إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف عليه من بيت المال فلا بأس به، ولو أوصى بتشييد مسجد وتحميره وتصفيره نفذت وصيته لأنه قد حدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، وقد أحدث الناس مؤمنهم وكافرهم تشييد بيوتهم وتزيينها، ولو بنينا مساجدنا باللبن وجعلناها متطامنة بين الدور الشاهقة وربما كانت لأهل الذمّة لكانت مستهانة قاله ابن المنير.
وتعقب بأن المنع إن كان للحثّ على اتّباع السلف فى ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلّة.


[ قــ :437 ... غــ : 446 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا.
ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ.

وبه قال: ( حدّثنا عليّ بن عبد الله) بن جعفر بن نجيح المشهور بابن المديني البصري ( قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) وللأصيلي ابن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني الأصل العراقي الدار ( قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي حدّثنا ( أبي) إبراهيم بن سعد ( عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز ( قال: حدّثنا نافع) مولى ابن عمر ( أن عبد الله) زاد الأصيلي ابن عمر ( أخبره) .


( أن المسجد) النبوي ( كان على عهد) أي زمان ( رسول الله) وأيامه وللأصلي على عهد النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبنيًّا باللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة وهو الطوب النيء.
( وسقفه الجريد وعمده) بضم العين والميم وبفتحهما ( خشب النخل) بفتح الخاء والشين وبضمهما، ( فلم يزد فيه أبو بكر) الصديق رضي الله عنه أي لم يغير فيه ( شيئًا) بالزيادة والنقصان، ( وزاد فيه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في الطول والعرض ( و) لم يغير في بنيانه بل ( بناه على بنيانه في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باللبن والجريد، وأعاد عمده) بضمتين أو بفتحتين ( خشبًا) لأنها بليت، ( ثم غيّره عثمان) بن عفان رضي الله عنه من جهة التوسيع وتغيير الآلات ( فزاد) فيه ( زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة) بدل اللبن ( والقصة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة الجص بلغة أهل الحجاز.
يقال: قصص داره إذا جصصها، وللحموي والمستملي بحجارة منقوشة بالتنكير، ( وجعل عمده) بضمتين أو بفتحتين ( من حجارة منقوشة وسقفه بالساج) بفتح القاف والفاء بلفظ الماضي عطفًا على جعل.
وفي فرع اليونينية
وسقفه بإسكان القاف وفتح الفاء عطفًا على عمده، وضبطه البرماوي وسقفه بتشديد القاف والساج بالجيم ضرب من الشجر يؤتى به من الهند الواحدة ساجة.

ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه رواية الأقران صالح عن نافع لأنهما من طبقة واحدة وتابعي عن تابعي، والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود في الصلاة.