فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من بنى مسجدا

باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا

[ قــ :441 ... غــ : 450 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ -عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ».


( باب) بيان فضل ( من بنى مسجدًا) وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) بضم السين وفتح اللام الجعفي ( قال: حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر حدّثنا ( ابن وهب) عبد الله قال ( أخبرني) بالإفراد ( عمرو) بفتح العين ابن الحرث الملقب بدرة الغراص ( أن بكيرًا) بضم الموحدة بالتصغير وهو ابن عبيد الله بن الأشج مدني سكن البصرة ( حدّثه) وللأصيلي أخبره ( أن عاصم بن عمر) بضم العين وفتح الميم ( بن قتادة) الأنصاري، المتوفى بالمدينة سنة عشرين ومائة ( حدّثه أنه سمع عبيد الله) بتصغير العبد ابن الأسود ( الخولاني) بفتح الخاء المعجمة ربيب أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها ( أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه) حال كونه ( يقول عند قول الناس فيه) أي إنكارهم عليه ( حين بنى) أي أراد أن يبني ( مسجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحجارة المنقوشة والقصة، ويجعل عمده من الحجارة ويسقفه بالساج، وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور ولم يبن المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيّده.

( إنكم أكثرتم) أي الكلام في الإنكار على ما فعلته ( وإني سمعت النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يقول: من بنى) حقيقةً أو مجازًا ( مسجدًا) كبيرًا كان أو صغيرًا، ولابن خزيمة كمفحص قطاة أو أصغر ومفحصها بفتح الميم والحاء المهملة كمقعد هو مجثمها لتضع فيه بيضها وترقد عليه كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه، والفحص البحث والكشف.

ولا ريب أنه لا يكفي مقداره للصلاة فيه فهو محمول على المبالغة لأن الشارع يضرب المثل في الشيء لما لا يكاد يقع كقوله: اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًا، وقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الأئمة من قريش " أو هو على ظاهره بأن يزيد في المسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة فى بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر، أو المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما
يسع الجبهة فأطلق عليه البناء مجازًا، لكن الحمل على الحقيقة أولى، وخصّ القطاة بهذا لأنها لا تبيض على شجرة ولا على رأس جبل، بل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير، فلذلك شبّه به المسجد ولأنها توصف بالصدق، فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي خالص العبودية الاندماج في طيّ الأحكام من غير شُهرة ولا إرادة، وهذا شأن هذا الطائر.
وقيل: لأن أفحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه.

( قال بكير) المذكور ( حسبت أنه) أي شيخه عاصمًا ( قال) بالإسناد السابق: ( يبتغي به) أي ببناء المسجد ( وجه الله) عز وجل أي ذاته تعالى طلبًا لمرضاته تعالى لا رياء ولا سمعة، ومن كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدًا من الإخلاص قاله ابن الجوزي، وجملة يبتغي في موضع الحال من ضمير بنى إن كان من لفظ النبي، وإنما لم يجزم بكير بهذه الزيادة لأنه نسيها فذكرها بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه، والجملة اعتراض بين الشرط وهو قوله من بنى، وجوابه وهو قوله: ( بنى الله) عز وجل ( له) مجازًا بناء ( مثله) في مسمى البيت حال كونه ( في الجنة) لكنه في السعة أفضل مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وروى الإمام أحمد بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا "من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا أوسع منه".
أو المراد بالجزاء أبنية متعددة أي بنى الله له عشرة أبنية مثله إذ الحسنة بعشر أمثالها، والأصل أن جزاء الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل.

ورواة هذا الحديث السبعة ثلاثة مصريون بالميم وثلاثة مدنيون والرابع بينهما مدني سكن مصر وهو بكير، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار به والسماع وثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم والترمذي.