فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الحلق والجلوس في المسجد

باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ
( باب) جواز ( الحلق) للعلم وقراءة القرآن والذكر وغيرها وهي بكسر الحاء المهملة وفتح اللام ولابن عساكر الحلق بفتحهما ( و) جواز ( الجلوس في المسجد) .


[ قــ :462 ... غــ : 472 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ- مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى.
فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى" وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وِتْرًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِهِ.
[الحديث 42 - أطرافه في: 473، 990، 993، 995، 1137] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة في الأوّل وضم الميم وفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة المفتوحة ( عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري، وللأصيلي حدّثنا عبيد الله ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وللأصيلي عن عبد الله بن عمر ( قال) :
( سأل رجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه ( وهو على المنبر) جملة حالية ( ما ترى) أي ما رأيك أو من رأى بمعنى علم، والمراد لازمه إذ العالم يحكم بما علم شرعًا ( في صلاة الليل.
قال)
عليه الصلاة والسلام: ( مثنى مثنى) أي صلاة الليل مثنى مثنى، فالمبتدأ محذوف ومثنى غير منصوف للعدل والوصف.
أي اثنين اثنين وكرره للتأكيد.
قال الزركشي رحمه الله في تعليق العمدة: استشكل بعضهم التكرار، فإنّ القاعدة فيما عدل من أسماء الأعداد أن لا يكرر فلا يقال: جاء القوم مثنى مثنى.


وأجيب: بأنه تأكيد لفظي لا لقصد التكرار، فإن ذلك مستفاد من الصيغة ثم قال: وأقول إن أصل السؤال فاسد، بل لا بدّ من التكرار إذا كان العدل في لفظ واحد كمثنى مثنى وثلاث ثلاث.

قال الشاعر:
هنيئًا لأرباب البيوت بيوتهم ... وللآكلين التمر مخمس مخمسا
ومنه الحديث مثنى مثنى، فإن وقعت بين لفظين أو ألفاظ مختلفة لم يجز التكرار كمثنى وثلاث ورباع، والحكمة في ذلك أن ألفاظ العدد المعدولة مشروطة بسبق ما يقع فيه التفصيل تحقيفًا نحو: { أولي أجنحة} [فاطر: 1] أو تقديرًا نحو: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أريد تفصيله من نوع واحد وجب تكريره، لأن وقوعه بعده إما على جهة الخبرية أو الحالية أو الوصفية، فحمله عليه يقتضي مطابقته له، فلا بدّ من تكريره لتحصل الموافقة له، إذ لا يحسن وصف الجماعة باثنين وإن كان من ألفاظ مقدرة متعددة، فالمجموع تفصيل للمجموع فكان وافيًا به فلأجل ذلك لم يكرر نحو قوله تعالى: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وإنما كان العدل في هذه الألفاظ من غير تكرار ليصيب كل ناكح ما شاء من هذه الأعداد، إذ لو كان من لفظ واحد لاقتصر الناكحون على ذلك العدد اهـ.

وتعقبه في المصابيح بأنه لا يعرف أحدًا من النحاة ذهب إلى هذا التفصيل الذي ذكره، وفي الصحاح: إذا قلت جاءت الخيل مثنى فالمعنى اثنين اثنين أي جاؤوا مزدوجين، فهذا مما يقدح في إيجاب التكرير في اللفظ الواحد ثم بناء ما ذكره على الحكمة التي أبداها بناء واهٍ لأن المطابقة حاصلة بدون تكرير اللفظ المعدول من جهة المعنى، وذلك أنك إذا قلت جاء القوم مثنى إنما معناه اثنين اثنين، وهكذا فهو بمعنى مزدوجين كما قال الجوهري، ولا شك في صحة حمل مزدوجين على القوم ثم تكرير اللفظ المعدول لا يوجب المطابقة لأن الثاني كالأوّل سواء وليس ثم حرف يقتضي الجمع حتى تحسن المطابقة التي قصدها فلا يظهر وجه صحيح لما قاله وبناه اهـ.

( فإذا خشى) المصلي ( الصبح صلّى) ركعة ( واحدة فأوترت) تلك الركعة ( له ما صلّى) احتجّ به الشافعية على أن أقل الوتر ركعة واحدة مع حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "الوتر ركعة من آخر الليل" وقال المالكية أي ركعة مع شفع تقدمها ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى.
قال نافع: ( وأنه) أي ابن عمر ( كان يقول) ( اجعلوا آخر صلاتكم وترًا) وللأصيلي وأبي الوقت في نسخة عنهما وابن عساكر: آخر صلاتكم بالليل فزاد لفظ بالليل، وعزاها في الفتح لرواية الكشميهني والأصيلي فقط، ( فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر به) أي بالوتر أو بالجعل الذي يدلّ عليه قوله اجعلوا.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة: أجيب: بأنّ كونه عليه الصلاة والسلام على المنبر يدل على جماعة جالسين في المسجد، وعنهم الرجل الذي سأل عن صلاة الليل.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول.





[ قــ :463 ... غــ : 473 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَخْطُبُ فَقَالَ: كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ".
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلاً نَادَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل ( قال: حدّثنا حماد) وللأربعة حماد بن زيد ( عن أيوب) السختياني ( عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما:
( أن رجلاً جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يخطب) على المنبر ( فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال) ولأبي
ذر قال ( مثى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر) بالرفع على الاستئناف أو بالجزم جواب الأمر، وزاد في رواية أبي الوقت في نسخة لك، وعزاها فى الفتح للكشميهني والأصيلي ( ما قد صلّيت) وإسناد الإيتار إلى الصلاة مجاز ( قال) وفي رواية وقال ( الوليد بن كثير) بالمثلثة القرشي المخزومي المدني ثم الكوفي مما وصله مسلم: ( حدّثني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) العمري ( أن) أباه عبد الله ( بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ( حدّثهم) أن رجلاً نادى النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد قيل: ليس فيه ما يدل على الحلق.
وأجيب بأنه شبه جلوس الرجال في المسجد حوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب بالتحلق حول العالم، لأن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لا يكون في المسجد وهو على المنبر وعنده جمع جلوس إلاّ محدقين به كالتحلقين.





[ قــ :464 ... غــ : 474 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ.
فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَى فَاسْتَحْيَى اللَّهُ مِنْهُ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي حدّثنا ( مالك) الإمام ( عن إسحاق بن عبد الله بن أو طلحة أن أبا مرة) بضم الميم يزيد ( مولى عقيل بن أبي طالب) بفتح العين ( أخبره عن أبي واقد) بالقاف والدال المهملة الحرث بن عوف ( الليثي قال) :
( بينما رسول الله) وللأصيلي النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جالس حال كونه ( في المسجد) زاد في كتاب العلم والناس معه ( فأقبل ثلاثة نفر) من الطريق ودخلوا المسجد مارّين فيه وفيه زيادة الفاء على جواب بينما، وللأصيلي فأقبل نفر ثلاثة فـ ( أقبل اثنان) من الثلاثة الذين أقبلوا من الطريق ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذهب واحد) عطف على فأقبل اثنان ( فأما أحدهما) أما للتفصيل وأحدهما رفع بالابتداء

والخبر قوله ( فرأى فرجة فجلس) هذا موضع الترجمة وأدخل الفاء في فرأى لتضمن أما معنى الشرط وفي فجلس للعطف، وللأصيلي فرجة في الحلقة بإسكان اللام فجلس ( وأما الآخر) بفتح الخاء أي الثاني ( فجلس خلفهم) نصب على الظرفية ( وأما الآخر فأدبر ذاهبًا) وهذه ساقطة من اليونينية، ( فلما فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما كان مشتغلاً به من الخطبة أو تعليم العلم أو غير ذلك ( قال: ألا أخبركم عن الثلاثة) وللأصيلي عن النفر الثلاثة ( أما أحدهم فأوى) بالقصر أي لجأ ( إلى الله فآواه الله) عز وجل بالمد، ( وأما الآخر فاستحيا) ترك المزاحمة ( فاستحيا الله منه) جازاه بمثل فعله بأن رحمه ولم يعاقبه، ( وأما الآخر فأعرض) عن مجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن غضب عليه فهو من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم، لأن نسبة الإيواء والاستحياء والإعراض في حقه تعالى محُال، فالمراد لازم ذلك وهو إرادة إيصال الخير وترك العقاب.

وفي الحديث التحلّق للعلم والذكر وهو ظاهر فيما ترجم له، والحديث سبق في باب من قعد حيث ينتهي به المجلس من كتاب العلم.