فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب سترة الإمام سترة من خلفه

باب سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ
هذا ( باب) بالتنوين ( سترة الإمام) الذي يصلّي بالناس وليس بين يديه جدار ونحوه ( ستره من) وفي رواية سترة لمن ( خلفه) من المصلين.


[ قــ :480 ... غــ : 493 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ( مالك) الإمام الأعظم ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، وسقط لابن عساكر عبد الله ( أنه قال) وللمستملي أن عبد الله بن عباس قال:

( أقبلت راكبًا على حمار أتان) بالمثناة الفوقية ( وأنا يومئذ قد ناهزت) أي قاربت ( الاحتلام ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بالناس بمنى) ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة وجمع بينهما النووي بأنهما واقعتان، وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد، ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث.
قال ابن حجر: والحق أن قول ابن عيينة بعرفة شاذ وكان في حجة الوداع من غير شك ( إلى غير جدار) قال الشافعي إلى غير سترة وحينئذ فلا مطابقة بين الحديث والترجمة، وقد بوّب عليه البيهقي باب من صلّى إلى غير سترة، لكن استنبط بعضهم المطابقة من قوله إلى غير جدار لأن لفظ غير يشعر بأن ثمة سترة لأنها تقع دائمًا صفة، وتقديره إلى شيء غير جدار وهو أعمّ من أن يكون عصًا أو غير ذلك.
( فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت) ولأبي ذر فأرسلت ( الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليّ أحد) فدلّ على جواز المرور وصحة الصلاة معًا.
فإن قلت: لا يلزم مما ذكر اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلاً دون رؤيته
عليه الصلاة والسلام له.
أجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه، وفي رواية المصنف في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف الأول فلم يكن هناك حائل دون الرؤية.




[ قــ :481 ... غــ : 494 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ.
[الحديث 494 - أطرافه في: 498، 97، 973] .


وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) ولابن عساكر إسحاق يعني ابن منصور، وبه جزم أبو نعيم وغيره ( قال: حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون ( قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي المدني، المتوفّى سنة تسع وأربعين ومائة ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما:
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج يوم العيد أمر) خادمه ( بالحربة) أي بأخذها ( فتوضع بين يديه فيصلّي إليها والناس وراءه) نصب على الظرفية والناس رفع عطفًا على فاعل فيصلّي، ( وكان) عليه الصلاة والسلام ( يفعل ذلك) أي وضع الحربة والصلاة إليها ( في السفر) فليس مختصًّا بيوم العيد.

قال نافع: ( فمن ثم) أي من هنا ( اتخذها الأمراء) يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفيين ومدنيين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة.




[ قــ :48 ... غــ : 495 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ -وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عون بن أبي جحيفة) بفتح العين وسكون الواو ( قال) :
( سمعت أبي) أبا جحيفة بضم الجيم وفتح المهملة واسمه وهب بن عبد الله السموائي بضم السين ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بهم بالبطحاء) خارج مكة ويقال له الأبطح ( وبين يديه عنزة) بفتح العين والنون كنصف رمح لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح، فإنه في أعلاه والجملة حالية ( الظهر ركعتين والعصر ركعتين) نصب على الحال أو بدل من المفعول، وزاد في رواية آدم عن شعبة عن عون أن ذلك كان بالهاجرة.
قال النووي: فيكون عليه الصلاة والسلام جمع حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما ( يمرّ بين يديه) أي بين العنزة والقبلة ( المرأة والحمار) لا بينه وبين العنزة، لأن في رواية عمر بن أبي زائدة في باب الصلاة في الثوب الأحمر، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة، وقد اختلف فيما يقطع الصلاة فذهبت طائفة إلى ظاهر حديث أبي ذر المروي في مسلم من كون مرور الحمار والكلب يقطع الصلاة.
وقال الإمام أحمد: لا شك في الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، وذهب الشافعي إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء لا الكلب ولا الحمار ولا المرأة ولا غيرها، والتشديد الوارد فيه هو لما يشغل قلب المصلي، ولا يخفى أن ما رواه ابن عباس كان قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمانين يومًا، فيكون ناسخًا لحديث أبي ذر المذكور والله أعلم.


ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وفي ستر العورة والأذان وصفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واللباس وفي باب السترة بمكة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الصلاة.