فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الدعاء عند الاستخارة

باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الاِسْتِخَارَةِ
( باب الدعاء عند الاستخارة) أي طلب الخيرة بكسر الخاء وفتح التحتية بوزن العنبة اسم من قولك اختار الله له.
وقال في النهاية: الاستخارة طلب الخير في الشيء وهي استفعال من الخير ضد الشر فالمراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما.


[ قــ :6045 ... غــ : 6382 ]
- حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الْمَوَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِى فِى دِينِى وَمَعَاشِى وَعَاقِبَةِ أَمْرِى
-أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِى، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِى فِى دِينِى وَمَعَاشِى وَعَاقِبَةِ أَمْرِى -أَوْ قَالَ فِى عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّى وَاصْرِفْنِى عَنْهُ وَاقْدُرْ لِىَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِى بِهِ وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا مطرف بن عبد الله) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء مشددة بعدها فاء ( أبو مصعب) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين الأصم مولى ميمونة بنت الحارث قال: ( حدّثنا عبد الرَّحمن بن أبي الموال) بفتح الميم وتخفيف الواو وبعد الألف لام من غير ياء جمع مولى واسمه زيد ويقال زيد جدّ عبد الرَّحمن وأبوه لا يعرف اسمه وثّقه ابن معين وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم ( عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الحافظ ( عن جابر -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) خصّه في بهجة النفوس بغير الواجب والمستحب فلا يستخار في فعلهما والمحرم والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح أو المستحب إذا تعارض فيه أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه وألحق به في الفتح الواجب والمستحب المخير وفيما إذا كان موسعًا قال: ويتناول العموم العظيم والحقير، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم ( كالسورة) كما يعلمنا السورة ( من القرآن) قال في البهجة: التشبيه في تحفظ حروفه وترتيب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه.

( إذا همّ) فيه حذف تقديره يقول: إذا همّ ( بالأمر) قال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة: ترتيب الوارد على القلب على مراتب الهمّة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة فالثلاثة الأول لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاثة الآخر فقوله: إذا همّ يشير إلى أول ما يرد على القلب ( فليركع ركعتين) أي من غير الفريضة في غير وقت كراهة ( ثم يقول) دعاء الاستخارة فيظهر لم إذ ذاك ببركة الصلاة والدعاء ما هو خير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت فيه عزيمته وإرادته فإنه يصير له إليه ميل وحب فيخشى أن يخفى عنه وجه الأرشدية لغلبة ميله إليه قال: ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة لأن الخاطر لا يثبت فلا يستمر إلا على ما يقصد التصميم على فعله وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه أوقاته اهـ.

وقوله: فليركع جواب إذا المتضمن معنى الشرط ولذا دخلت فيه الفاء واحترز بقوله في الرواية الأخرى من غير الفريضة عن صلاة الصبح مثلاً، وذكر النووي أنه يقرأ فيهما بسورة الكافرون والإِخلاص، لكن قال الحافظ زين الدين العراقي: لم أقف لذلك على دليل ولعله ألحقهما بركعتي الفجر.
قال: ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الإِخلاص والتوحيد والمستخير يحتاج لذلك فقال: ومن المناسب أن يقرأ مثل قوله: { وربك يخلق ما يشاء ويختار} [القصص: 68] وقوله: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة} [الأحزاب: 36] والأكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والآية الأوليين في الأولى
والأخريين في الثانية، وهل يقدم الدعاء على الصلاة الظاهر لا للإتيان بثم المقتضية للترتيب في قوله ثم يقول:
( اللهم إني أستخيرك بعلمك) أطلب منك الخيرة ( وأستقدرك بقدرتك) أي أطلب منك أن تجعل لي على ذلك قدرة أو أطلب منك أن تقدّره لي إذ المراد بالتقدير التيسير والباء في بعلمك وبقدرتك للتعليل أي لأنك أعلم ولأنك قادر أو للاستعانة كقوله: { بسم الله مجراها} [هود: 41] أو للاستعصاف كقوله: { رب بما أنعمت عليّ} [القصص: 17] ( وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر) إلا بك ( وتعلم ولا أعلم) إلا بك فيما فيه خيرتي فالقدرة والعلم لك وحدك وليس للعبد إلا ما قدرته له ( وأنت علاّم الغيوب) فيه لف ونشر غير مرتب ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي) قال في الكواكب فإن قلت: كلمة إن للشك ولا يجوز الشك في كون الله عالمًا؟ وأجاب بأن الشك في أن العلم يتعلق بالخير أو الشر لا في أصل العلم، وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي تعلم هذا الأمر خيرًا لي ( في ديني ومعاشي) بالشين المعجمة وفتح الميم حياتي أو ما يعاش فيه، وفي الأوسط للطبراني عن ابن مسعود في ديني ودنياي وعنده من حديث أبي أيوب دنياي وآخرتي ( وعاقبة أمري) أو قال: ( في عاجل أمري وآجله فاقدره لي) بوصل الهمزة وضم الدال وتكسر أي اجعله مقدورًا لي أو قدره أو يسره ( وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري) أو قال: ( في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه) حتى لا يبقى قلبي بعد صرفه عني متعلقًا به ثم عمم الطلب بقوله ( واقدر لي الخير حيث كان) ثم ختم بقوله ( ثم رضني) بتشديد المعجمة لأن رضا الله ورضا العبد متلازمان بل رضا العبد مسبوق برضا الله وهو جماع كل خير واليسير منه خير من الجنان، ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أرضني ( به) وهو جماع كل خير واليسير منه خير من الجنان، ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أرضني ( به) بالهمز قبل الراء والذي في اليونينية لأبي ذر عن الكشميهني ورضني أي اجعلني به راضيًا ( ويسمي حاجته) أي ينطق بها بعد الدعاء أو يستحضرها بقلبه عند الدعاء أي فليدع مسميًا حاجته فالجملة حالية والشك في قوله أو قال في الموضعين من الراوي.
قال في الكواكب: ولا يخرج الداعي به عن العهدة حتى يكون جازمًا بأنه كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يدعو به ثلاث مرات يقول تارة في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري وأخرى في عاجلي وآجلي وثالثة في ديني وعاجلي وآجلي اهـ.

وينبغي أن يفتتح الدعاء ويختمه بالحمد لله والصلاة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يستخير الله سبعًا، ففي حديث أنس عند ابن السني إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعًا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه، لكن سنده واهٍ جدًّا، وليشرع في حاجته فإن كان له فيها خيرة يسّر الله له أسبابها وكانت عاقبتها محمودة.

وقد أورد المحاملي في اللباب حديثًا لأبي أيوب الأنصاري في استخارة التزويج عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: اكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلّ ما كتب الله لك ثم احمد ربك
ومجّده ثم قل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فإن رأيت لي في فلانة وتسميها باسمها خيرًا لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقضها لي أو قال: اقدرها لي وإن كان غيرها خيرًا لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاصرفها عني أي فلانة المسماة وفي نسخة فاقضها لي أو قال: قدّرها واقسمها لي أي غير فلانة.