فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة»

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً» [البقرة: 201]
( باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً} ) .


[ قــ :6052 ... غــ : 6389 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ { آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} » [البقرة: 201] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري ( عن عبد العزيز) بن صهيب ( عن أنس) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كان أكثر دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( اللهم آتنا) وللكشميهني: اللهم ربنا آتنا ( { في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} ) الجار في قوله في الدنيا يتعلق بآتنا أو بمحذوف على أنه حال من حسنة لأنه كان في الأصل صفة لها فلما قدم عليها انتصب حالاً والواو في قوله: وفي الآخرة عاطفة شيئين على شيئين متقدمين، ففي الآخرة عطف على في الدنيا بإعادة العامل وحسنة عطف على حسنة والواو تعطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر تقول: أعلم الله زيدًا عمرًا فاضلاً وبكرًا خالدًا صالحًا.
اللهم إلا أن ينوب عن عاملين ففيها خلاف، وتفصيل مذكور في محله، واختلف في الحسنتين فعن الحسن مما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح: العلم والعبادة في الدنيا، وعنه عند عبد الرزاق: الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الجنة، وعن قتادة: العافية في الدنيا والآخرة، وعن محمد بن كعب القرظي: الزوجة الصالحة من الحسنات، وعن عطية: حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة ومن عوف قال: من آتاه الله الإسلام والقرآن والأهل والمال والولد فقد آتاه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقيل: الحسنة في الدنيا الصحة والأمن والكفاية والولد الصالح والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء، وفي الآخرة الفوز بالثواب والخلاص من العقاب ومنشأ
الخلاف كما قال الإمام فخر الدين: إنه لو قيل آتنا في الدنيا الحسنة وفي الآخرة الحسنة لكان ذلك متناولاً لكل الحسنات، لكنه نكرة في محل الإثبات فلا يتناول إلا حسنة واحدة، فلذلك اختلف المفسرون فكل واحد منهم حمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة وهذا بناءً منه على أن المفرد المعرّف بالألف واللام يعم، وقد اختار في المحصول خلافه.

ثم قال: فإن قيل: أليس لو قيل آتنا الحسنة في الدنيا والحسنة في الآخرة لكان متناولاً لكل الأقسام فلِم ترك ذلك وذكره منكرًا؟ وأجاب بأن قال: إنّا بيّنا أنه ليس للداعي أن يقول: اللهم أعطني كذا وكذا بل يجب أن يقول: اللهم إن كان كذا وكذا مصلحة لي موافقة لقضائك وقدرك فأعطني ذلك فلو قال: اللهم أعطني الحسنة في الدنيا لكان ذلك جزمًا، وقد بيّنّا أن ذلك غير جائز فلما ذكره على سبيل التنكير كان المراد منه حسنة واحدة هي التي توافق قضاءه وقدره فكان ذلك أقرب إلى رعاية الأدب ( { وقنا عذاب النار} ) قِنا مما حذفت منه فاؤه ولامه لأنه من وقى يقي وقاية أما حذف فائه فبالحمل على المضارع لوقوع الواو بين ياء وكسرة، وأما حذف لامه فلأن الأمر جارٍ مجرى الفعل المضارع المجزوم وجزمه بحذف حرف العلة فكذلك الأمر منه فوزن قنا عنا، والأصل أوقنا فلما حذفت الفاء استغنى عن همزة الوصل فحذفت، والمعنى احفظنا من عذاب جهنم أو عذاب النار المرأة السوء.

وهذا الحديث سبق في تفسير سورة البقرة.