فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لله مائة اسم غير واحد

باب لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ
هذا ( باب) بالتنوين ( لله عز وجل مائة اسم غير واحد) بالتذكير ولأبي ذر واحدة بالتأنيث باعتبار معنى التسمية.


[ قــ :6073 ... غــ : 6410 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدًا، لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: حفظناه) أي الحديث ( من أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان وفي رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدّثنا أبو الزناد ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) حال كونه ( رواية) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعنه الحميدى قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وكذا لمسلم عن عمرو الناقد عن سفيان، وللمؤلّف في التوحيد من رواية شعيب عن أبي الزناد بسنده أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال) :
( لله) عز وجل ( تسعة وتسعون اسمًا) بالنصب على التمييز وتسعة مبتدأ قدم خبره ( مائة) رفع على البدل ( إلا واحدًا) بالتذكير، ولأبي ذر إلا واحدة بالتأنيث.
قال ابن بطال: ولا يجوز في
العربية، ووجهها ابن مالك باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة، والحكمة في الإتيان بهذه الجملة بعد السابقة أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعًا بين جهتي الإجمال والتفصيل ودفعًا للتصحيف خطأ لاشتباه تسعة وتسعين بسبعة وسبعين.
وقال في فتوح الغيب: قوله مائة إلا واحدًا تأكيد وفذلكة لئلا يزاد على ما ورد كقوله تعالى: { تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] ( لا يحفظها) لا يقرؤها ( أحد) عن ظهر قلبه والحفظ يستلزم التكرار أي تكرار مجموعها وفي الشروط من أحصاها أي ضبطها أو علمها أو قام بحقها وعمل بمقتضاها بأن يعتبر معانيها فيطالب نفسه بما تضمنته من صفات الربوبية وأحكام العبودية فيتخلق بها ( إلا دخل الجنة) ذكر الجزاء بلفظ الماضي تحقيقًا لوقوعه وتنبيهًا على أنه وإن لم يقع فهو في حكم الواقع لأنه كائن لا محالة ( وهو) تعالى ( وتر) بفتح الواو وكسرها أي فرد ومعناه في حق الله تعالى أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته ( يحب الوتر) من كل شيء أو كل وتر شرعه وأثاب عليه.
وقال التوربشتي: أي يثيب على العمل الذي أتى به وترًا ويقبله من عامله لما فيه من التنبيه على معاني الفردانية قلبًا ولسانًا وإيمانًا وإخلاصًا ثم إنه أدعى إلى معاني التوحيد.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضًا وكذا الترمذي لكن من حديث ابن عمر وسردها ثم قال: هذا حديث غريب حدّثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه إلا من حديث صفوان وهو ثقة، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا يعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذه الطريق، وقد روي بإسناد آخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له إسناد صحيح اهـ.

ولم ينفرد به صفوان فأخرجه البيهقي في طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضًا وسرد الترمذي للأسماء معروف محفوظ، وقد أخرج الحديث الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح فخالف في عدة أسماء فقال: القائم الدائم بدل القابض الباسط والشديد بدل الرشيد والأعلى المحيط مالك يوم الدين بدل الودود المجيد الحكيم، وعند ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن صفوان الرافع بدل المانع، وعند ابن خزيمة في رواية صفوان أيضًا الحاكم بدل الحكم والقريب بدل الرقيب والمولى بدل الوال والأحد بدل المغني.
وعند البيهقي وابن منده من طريق موسى بن أيوب عن الوليد المغيث بالمعجمة والمثلثة بدل المقيت بالقاف والمثناة، ووقع بين رواية زهير عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة عند أبي الشيخ وابن ماجة وابن أبي عاصم والحاكم وبين رواية صفوان عن الوليد مخالفة في ثلاثة وعشرين اسمًا.
فليس في رواية زهير الفتاح القهار الحكم العدل الحسيب الجليل المحصي المقتدر المقدم المؤخر البر المنتقم الغني النافع الصبور البديع الغفار الحفيظ الكبير الواسع الأحد مالك الملك ذو الجلال والإكرام، وذكر بدلها الرب الفرد الكافي القاهر المبين بالموحدة الصادق الجميل البادئ بالدال القديم البارّ بتشديد الراء الوفي البرهان الشديد الواقي بالقاف القدير الحافظ العادل العلي العالم الأحد الأبد الوتر ذو القوّة.

ولم يقع في شيء من طرف الحديث سرد الأسماء إلا في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي، وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجة والطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج وفيها اختلاف شديد في سرد الأسماء والزيادة والنقص.

ووقع سرد الأسماء أيضًا في طريق ثالثة عند الحاكم في مستدركه وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فذهب إلى الأخير جماعة مستدلين بخلو أكثر الروايات عنه مع الاختلاف والاضطراب.
قال البيهقي: ويحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معًا ولذا وقع الاختلاف الشديد بينهما، ولذا ترك الشيخان تخريج التعيين.
وقال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق الوليد: هذا حديث غريب حدّثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه إلا من حديث صفوان وهو ثقة.
وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذه الطريق، وقد روي بإسناد آخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له سند صحيح.
وقال الداودي: ولم يثبت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عين الأسماء المذكورة وليس المراد من الحديث حصر الأسماء في التسعة والتسعين، ففي حديث ابن مسعود عند أحمد وصححه ابن حبان أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به علم الغيب عندك.
قال القرطبي: ويدل على عدم الحصر أن أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى وهل الاقتصار على العدد المذكور معقول أو تعبد لا يعقل معناه، وقيل إن أسماءه تعالى مائة استأثر الله تعالى بواحد منها وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدًا فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وجزم السهيلي بأنها مائة على عدد درج الجنة، والذي يكمل المائة الله.
واستدلّ بهذا الحديث على أن الاسم عين المسمى أو غيره وهي مسألة مشهورة سبق القول فيها أول هذا المجموع ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في محله بعون الله.

واختلف هل الأسماء الحسنى توقيفية بمعنى أنه لا يجوز لأحد أن يشتق من الأفعال الثابتة لله اسمًا إلا إذا ورد نص به في الكتاب والسنة؟ فقال الإمام فخر الدين: المشهور عن أصحابنا أنها توقيفية.
وقال القاضي أبو بكر والغزالي الأسماء توقيفية دون الصفات قال: وهذا هو المختار، وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في كتاب مفاتيح الحج ومصابيح النهج: أسماء الله تعالى تؤخذ توقيفًا ويراعى فيها الكتاب والسُّنّة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول وجب إطلاقه في وصفه تعالى وما لم يرد فيها لا يجوز إطلاقه في وصفه وإن يصح معناه، وقال الزجاج: لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه فيقول يا رحيم لا يا رفيق ويقول يا قوي لا يا جليد، وقال الإمام، قال أصحابنا: كل ما صح معناه جاز إطلاقه عليه سبحانه وتعالى فإنه الخالق للأشياء كلها، ولا يجوز أن يقال يا خالق الذئب والقردة وورد وعلم آدم الأسماء كلها وعلمك ما لم تكن تعلم ولا يجوز يا معلم قال: ولا يجوز عندي يا محب وقد ورد: { يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] .

فإن قلت: ما ورد في شرح السنة عن أبي أمية قال: إنه رأى الذي بظهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: دعني أعالجه فإني طبيب فقال: أنت رفيق والله هو الطبيب هل هو إذن منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تسمية الله تعالى بالطبيب؟ فالجواب: لا لوقوعه مقابلاً لقوله: فإني طبيب مشاكلة وطباقًا للجواب على السؤال كقوله تعالى: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116] وهل يجوز تفضيل بعض أسماء الله تعالى على بعض، فمنع من ذلك أبو جعفر الطبري وأبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني لما يؤدي ذلك إلى اعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله تعالى عظيمة.
وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة المراد بها مزيد ثواب الداعي بها، وقيل الأعظم كل اسم دعا العبد ربه به مستغرقًا بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله فإنه يستجاب له، وقيل الاسم الأعظم ما استأثر الله به وأثبته آخرون معينًا، واختلفوا فيه فقيل: هو لفظة هو نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف، وقيل: الله، وقيل الله الرحمن الرحيم، وقيل الرحمن الرحيم الحي القيوم، وقيل الحي القيوم، وقيل الحنان المنان بديع السماوات، والأرض ذو الجلال والإكرام رآه رجل مكتوبًا في الكواكب في السماء، وقيل ذو الجلال والإكرام، وقيل الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًّا أحد، وقيل رب رب، وقيل دعوة ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقيل هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.
نقله الفخر الرازي عن زين العابدين أنه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم فعلمه في النوم، وقيل هو مخفي في الأسماء الحسنى، وقيل وهو الرابع عشر كلمة التوحيد نقله القاضي عياض اهـ.
ملخصًا من الفتح وبالله التوفيق.