فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: المكثرون هم المقلون

باب الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ
وَقَولُهُ تَعَالَى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16] .

هذا ( باب) بالتنوين ( المكثرون) من المال ( هم المقلون) في الثواب، ولأبي ذر عن الكشميهني: هم الأقلون.

( وقوله تعالى { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} ) نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق وهم الكفار أو المنافقون ( { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها} ) وحبط في الآخرة ما صنعوا أو صنيعهم أي لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة وإنما أرادوا به الدنيا وقد وفى لهم ما أرادوا ( { وباطل ما كانوا يعملون} ) [هود: 15 - 16] أي كان عملهم في نفسه باطلاً لأنه لم يعمل لغرض صحيح والعمل الباطل لا ثواب له وسقط لأبي ذر قوله نوف إليهم الخ وقال: قبلها الآيتين.


[ قــ :6105 ... غــ : 6443 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِى وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِىَ مَعَهُ أَحَدٌ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِى فِى ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِى فَقَالَ: «مَنْ هَذَا»؟ قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَالَهْ» قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ: «إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا» قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ لِى: «اجْلِسْ هَا هُنَا» قَالَ: فَأَجْلَسَنِى فِى قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ فَقَالَ لِى: «اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ» قَالَ: فَانْطَلَقَ فِى الْحَرَّةِ حَتَّى لاَ أَرَاهُ فَلَبِثَ عَنِّى فَأَطَالَ اللُّبْثَ، ثُمَّ إِنِّى سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُقْبِلٌ وَهْوَ يَقُولُ: «وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى» قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاءَكَ مَنْ تُكَلِّمُ فِى جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا قَالَ: «ذَلِكَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَرَضَ لِى فِى جَانِبِ الْحَرَّةِ، قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ
وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ:.

قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ».
قَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ، وَالأَعْمَشُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثُ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ مُرْسَلٌ لاَ يَصِحُّ إِنَّمَا أَرَدْنَا لِلْمَعْرِفَةِ وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِى ذَرٍّ قِيلَ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: مُرْسَلٌ أَيْضًا لاَ يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِى ذَرٍّ.

     وَقَالَ : اضْرِبُوا عَلَى حَدِيثِ أَبِى الدَّرْدَاءِ هَذَا إِذَا مَاتَ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة الأسدي المكي ثم الكوفي من صغار التابعين ( عن زيد بن وهب) أبي سليمان الهمداني ( عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمشي وحده وليس) سقط لأبي ذر الواو من وليس ( معه إنسان) هو توكيد لقوله وحده ( قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد قال) أبو ذر: ( فجعلت أمشي في ظل القمر) أي في المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء ليختفي شخصه وإنما مشى خلفه لاحتمال أن يطرأ له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاجة فيكون قريبًا منه ( فالتفت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فرآني فقال) :
( من هذا) ؟ كأنه رأى شخصه ولم يتميز له ( قلت) ولأبي ذر فقلت: أنا ( أبو ذر جعلني الله فداءك) بكسر الفاء ممدودًا ( قال: يا أبا ذر تعاله) بهاء السكت ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تعال بإسقاطها ( قال: فمشيت معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ساعة فقال: إن المكثرين) من المال ( هم المقلّون) من الأجر ( يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرًا) مالاً ( فنفح) بالفاء المخففة بعدها حاء مهملة ( فيه) أي أعطى ( يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه) في المال ( خيرًا قال) : أبو ذر ( فمشيت معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ساعة فقال لي: اجلس هاهنا قال) أبو ذر: ( فأجلسني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في قاع) أرض سهلة مطمئنة انفرجت عنها الجبال ( حوله حجارة فقال لي: اجلس هاهنا حتى أرجع إليك قال) أبو ذر: ( فانطلق) عليه الصلاة والسلام ( في الحرّة) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المشددة أرض ذات حجارة سود ( حتى لا أراه) بفتح الهمزة ( فلبث) بكسر الموحدة ( عني فأطال الليث) بفتح اللام وضمها ( ثم إني سمعته) عليه الصلاة والسلام ( وهو مقبل) بكسر الموحدة والواو للحال كهي في قوله: ( وهو يقول: وإن سرق وإن زنى قال) أبو ذر: ( فلما جاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لم أصبر حتى قلت يا نبي الله جعلني الله فداءك) بالهمز ( من تكلم) ؟ بضم الفوقية وكسر اللام أنت أو بفتحهما وكذا الميم، أي من تكلم معك ( في جانب الحرة ما سمعت أحدًا يرجع) ولأبي ذر عن الكشميهني يردّ ( إليك شيئًا؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( ذلك) باللام ولأبي ذر ذاك بإسقاطها أي الذي سمعته ( جبريل عليه السلام عرض) أي ظهر ( لي: في جانب الحرّة قال) لي ( بشّر أمتك أنه من مات) منهم ( لا يشرك بالله) عز وجل ( شيئًا دخل الجنة) جواب الشرط ( قلت) : ولأبي ذر فقلت: ( يا جبريل وإن سرق وإن زنى) ؟ دخل الجنة ( قال)
جبريل ( نعم) أي كان مصيره إلى الجنة وإن ناله عقوبة ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( قلت) يا جبريل وسقط لأبي ذر قال قلت ( وإن سرق وإن زنى؟ قال) جبريل ( نعم قلت) يا جبريل ( وإن سرق أو زنى؟ قال: نعم) كذا لأبي ذر بتكرير وإن سرق وإن زنى مرتين وللمستملي ثلاثًا، وزاد بعد الثالثة وإن شرب الخمر.

والحديث سبق بزيادة ونقصان في الاستقراض والاستئذان، وأخرجه مسلم في الزكاة والترمذي في الإيمان والنسائي في اليوم والليلة.

( قال النضر) بن شميل ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: ( وحدّثنا) وسقطت لأبي ذر الواو ( حبيب بن أبي ثابت والأعمش) سليمان ( وعبد العزيز بن رفيع) قالوا: ( حدّثنا زيد بن وهب بهذا) الحديث فصرح الثلاثة بالتحديث عن زيد بن وهب فأمن تدليس الأولين على أنه لو روي من رواية شعبة بغير تصريح لأمن فيه من التدليس لأنه كان لا يحدث عن شيوخه إلا بما لا تدليس فيه، ولأبي ذر عن زيد بن وهب وقوله بهذا أي الحديث المذكور، واعترضه الإسماعيلي بأنه ليس في حديث شعبة قصة المكثرين والمقلين، وإنما فيه قصة من مات لا يشرك بالله شيئًا.

وأجيب: بأنه واضح على طريقة أهل الحديث لأن مراده أصل الحديث فإن الحديث المذكور في الأصل مشتمل على ثلاثة أشياء ما يسرني أن لي أُحدًا ذهبًا، وحديث المكثرين والمقلين، ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، فيجوز إطلاق الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أفرد، فقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص اللفظ المسوق وتعقبه العيني بأن الإطلاق في موضع التقييد غير جائز، وقوله بهذا أي بأصل الحديث غير سديد لأن الإِشارة بلفظ هذا تكون للحاضر والحاضر هو اللفظ السوق.

( قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى-: ( حديث أبي صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك ( مرسل لا يصح إنما أردنا) ذكره ( للمعرفة) بحاله ( والصحيح حديث أبي ذر) قال صاحب التلويح: فيه نظر فإن النسائي أخرجه بسند صحيح على شرط مسلم ( قيل لأبي عبد الله) البخاري ( حديث عطاء بن يسار) أي المروي عند النسائي من رواية محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار ( عن أبي الدرداء) بلفظ أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقص على المنبر يقول: { ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] فقلت: إن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال: "وإن زنى وإن سرق" فأعدت فأعاد فقال في الثالثة قال: نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء.

( قال) أبو عبد الله البخاري هو ( مرسل أيضًا لا يصح والصحيح حديث أبي ذر) لأنه من المسانيد ( وقال) : أي البخاري ( اضربوا على حديث أبي الدرداء) لأنه من المراسيل.
قال الحافظ ابن حجر: قد وقع التصريح بسماع عطاء بن يسار له من أبي الدرداء في رواية ابن أبي حاتم في تفسيره والطبراني في معجمه والبيهقي في شعبه، قال البيهقي: حديث أبي الدرداء هذا غير حديث أبي ذر وإن كان فيه بعض معناه ( هذا) الحديث المروي عن أبي الدرداء ( إذا مات قال: لا إله إلا
الله عند الموت)
مات الميت من باب المجاز باعتبار ما يؤول فإن الميت لا يموت بل الحي هو الذي يموت، وقد سقط قوله قال أبو عبد الله حديث أبي صالح إلى آخر قوله: إذا مات قال: لا إله إلا الله عند الموت لأبي ذر كأكثر الأصول، وذكره الحافظ ابن حجر عقب الحديث الأول من الباب اللاحق قال: وثبت ذلك في نسخة الصغاني.