فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا»

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا»
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أحب أن لي مثل أُحد) ولأبي ذر: أن لي أُحدًا ( ذهبًا) وفي فتح الباري باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهبًا وقال: لم أر لفظ هذا في رواية الأكثر لكنه ثابت في لفظ الخبر الأول.


[ قــ :6106 ... غــ : 6444 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَرَّةِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَا يَسُرُّنِى أَنَّ عِنْدِى مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا تَمْضِى عَلَىَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِى عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ» ثُمَّ مَشَى فَقَالَ: «إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَاعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» ثُمَّ قَالَ لِى: «مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ»، ثُمَّ انْطَلَقَ فِى سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِى: «لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِى قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «وَهَلْ سَمِعْتَهُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِى فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ».

وبه قال: ( حدّثنا الحسن بن ربيع) البوراني بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الراء بعد الألف نون البجلي أبو علي الكوفي قال: ( حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم ( عن الأعمش) سليمان ( عن زيد بن وهب) الجهني أنه ( قال: قال أبو ذر) أبو جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله عنه- ( كنت أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرة المدينة فاستقبلنا) بفتح اللام ( أُحد) الجبل المعروف ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( يا أبا ذر قلت) ولأبي ذر فقلت ( لبيك يا رسول الله قال: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهبًا تمضي عليّ) بالتشديد ليلة ( ثالثة وعندي منه دينار) الواو للحال ( إلا شيئًا) استثناء من دينار ولأبي ذر شيء بالرفع ( أرصده) بفتح الهمزة وضم الصاد أو بضم الهمزة وكسر الصاد أعده أو أحفظه ( لدين) بفتح الدال المهملة صاحبه غير حاضر فيأخذه إذا حضر أو لوفاء دين مؤجل حلّ
وفيته وللحموي والمستملي لديني ( إلا أن أقول به) استثناء بعد استثناء فيفيد الإثبات فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيدة بعدم الإنفاق فيلزم محبة وجوده مع الإنفاق فما دام الإنفاق مستمرًا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الإنفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم كراهية حصول شيء آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر مع استمرار الإنفاق قاله في الفتح وقوله أقول به أي أصرفه وأنفقه ( في عباد الله) عز وجل ( هكذا وهكذا وهكذا) بالتكرار ثلاثًا صفة لمصدر محذوف أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة ( عن يمينه وعن شماله ومن خلفه) اقتصر على هذه الثلاثة، وحمل على المبالغة لأن العطية لمن بين يديه هي الأصل وفي الجزء الثالث من البشرانيات من رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده فكرر لفظ هكذا أربعًا فعمّ الجهات الأربع ( ثم مشى فقال) ولأبي ذر ثم قال ( إن الأكثرين) مالاً ( هم الأقلون) ثوابًا ( يوم القيامة إلاّ من قال) صرف المال في مصرفه ( هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه) وقيل المراد بالأخير الوصية وقيل ليس قيدًا فيه بل قد يقصد الصحيح الإخفاء فيدفع لمن وراءه مالاً يعطي به من هو أمامه ( وقليل ما هم) ما زائدة مؤكدة للقلة أو موصوفة ولفظ قليل هو الخبر وهم مبتدأ أو قدم الخبر للمبالغة في الاختصاص ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لي) الزم ( مكانك لا تبرح) تأكيد ( حتى آتيك) غاية للزوم المكان المذكور ( ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى) غاب شخصه الشريف عني ( فسمعت صوتًا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض) ولأبي ذر أن يكون أحد عرض ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسوء ( فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح) من مكاني ( حتى أتاني قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتًا تخوفت) عليك ( فذكرت له) ذلك ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وهل سمعته؟ قلت: نعم) يا رسول الله ( قال: ذاك) الذي سمعته يخاطبني هو ( جبريل أتاني فقال) لي ( من مات من أمتك لا يشرك بالله) عز وجل ( شيئًا دخل الجنة) هو جواب الشرط ( قلت) يا جبريل ( وإن رنى وإن سرق) يدخل الجنة ( قال: إن زنى وإن سرق) يدخلها أي إذا تاب عند الموت كما حمله المؤلّف فيما مضى في اللباس، وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعمّ من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على المعصية للجمع بين الأدلة، وفيه ردّ على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة يخلّد في النار ولم يتكرر هنا قوله: وإن زنى وإن سرق كما تكرر في الرواية السابقة في الباب قبل هذا، واقتصر على هاتين الكبيرتين لأنهما كالمثالين فيما يتعلق بحق الله وحق العباد وأشار في الرواية السابقة في الباب الذي قبل هذا بقوله: وإن شرب الخمر إلى فحشه لأنه يؤدي إلى خلل في العقل الذي شرف به الإنسان على البهائم.




[ قــ :6107 ... غــ : 6445 ]
- حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ يُونُسَ،.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ لِى مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِى أَنْ لاَ تَمُرَّ عَلَىَّ ثَلاَثُ لَيَالٍ وَعِنْدِى مِنْهُ شَىْءٌ إِلاَّ شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ».

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني ( أحمد بن شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فموحدة ثانية الحبطي بفتح الحاء المهملة والموحدة وكسر الطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من تميم البصري الثقة الصدوق قال: ( حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات ( حدثني) بالإفراد ( يونس) المذكور ومراد المؤلّف بسياق هذا التعليق أن يقوي رواية أحمد بن شبيب فقد ضعفه ابن عبد البر تبعًا لأبي الفتح الأزدي، لكن الأزدي غير مرضي فلا يتبع في ذلك شبيب وثقه ابن المديني ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بالتصغير ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود أنه قال ( قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لو كان لي مثل أُحد) الجبل ( ذهبًا) وجواب لو قوله ( لسرني) باللام قبل السين ( أن لا تمر عليّ) ولأبي ذر: أن لا تمر بي ( ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيئًا) بالنصب، ولأبي ذر إلا شيء بالرفع فالنصب لأن المستثنى منه مطلق عام والمستثنى مقيد خاص والرفع لأن المستثنى منه في سياق النفي ووقع تفسير الشيء في رواية بالدينار ( أرصده) بفتح الهمزة وضم الصاد المهملة أو بضم ثم كسر أي أعدّه ( لدين) بفتح الدال وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الخيرات، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث إنه لا يحب أن يبقى في يده شيء من الدنيا إلا لإنفاقه فيمن يستحقه وإما لإرصاده لمن له حق، وإما لتعذر من يقبل ذلك منه لتقييده في رواية همام عن أبي هريرة الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب التمني بقوله: أجد من يقبله.

والحديث مضى في الاستقراض.