فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الانتهاء عن المعاصي

باب الاِنْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِى
( باب) وجوب ( الانتهاء عن المعاصي) .


[ قــ :6144 ... غــ : 6482 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلِى وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَىَّ وَإِنِّى أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَا النَّجَاءَ فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد ( محمد بن العلاء) بفتح العين ممدودًا ابن كريب الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة) اسمه عامر أو الحارث ( عن) جده ( أبي بردة عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( مثلي) بفتح الميم والمثلثة والمثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل التشبيه لإرادة التقريب ( ومثل ما بعثني الله) عز وجل أي به إليكم فالعائد محذوف ( كمثل رجل أتى قومًا) بالتنكير للشيوع ( فقال) لهم إني ( رأيت الجيش) المعهود ( بعيني) بتشديد التحتية بالتثنية، ولأبي ذر عن الكشميهني بعيني بالإفراد كذا في الفرع وأصله.
وقال الحافظ ابن حجر: وبعيني بالتثنية للكشميهني ( وإني أنا النذير العريان) بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها تحتية من التعري قيل الأصل فيه أن رجلاً لقي جيشًا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش وسلبوني فرأوه عريانًا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه القرائن فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه ولما جاء به مثلاً بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبًا لإفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه، وقيل المراد المنذر الذي تجرد عن توبه وأخذ يرفعه ويديره حول رأسه إعلامًا لقومه بالغارة وكان من عادتهم أن الرجل إذا رأى الغارة فجأتهم وأراد إنذار قومه يتعرى من ثيابه ويشير بها ليعلم أن قد فجأهم أمر مهم ثم صار مثلاً لكل ما يخاف مفأجاته ( فالنجاء النجاء) بالمد والهمز فيهما في الفرع وبالقصر فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية تخفيفًا ولأبي ذر فالنجاة بهاء التأنيث بعد الألف بالنصب في الكل على الإغراء أي اطلبوا النجاء أو النجاة بأن تسرعوا الهرب فإنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش ( فأطاعته طائفة) ولأبي ذر فأطاعه بالتذكير لأن المراد بعض القوم ( فأدلجوا) بهمزة قطع وسكون الدال المهملة وبعد اللام المفتوحة جيم مضمومة ساروا أول الليل أو كله ( على مهلهم) بفتحتين بالسكينة والتأني وفي الفرع كأصله بسكون الهاء وهو الإمهال لكن قال: في الفتح إنه ليس مرادًا هنا ( فنجوا) من العدوّ ولأبي ذر فادّلجوا بالوصل وتشديد المهملة ساروا آخر الليل لكن قال في الفتح: إنه لا يناسب هذا المقام ( وكذبته طائفة فصبحهم الجيش) أتاهم صباحًا ( فاجتاحهم) بجيم ساكنة بعدها فوقية فألف فحاء مهملة استأصلهم أي أهلكهم.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :6145 ... غــ : 6483 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى تَقَعُ فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن عبد الرَّحمن) بن هرمز الأعرج ( أنه حدثه) حدث أبا الزناد ( أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إنما مثلي ومثل الناس) المراد بضرب المثل زيادة الكشف والتبيين ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر واستعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل حال الناس العجيبة الشأن في دعائي إياهم إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما زينت لهم أنفسهم من التمادي على الباطل ( كمثل رجل) كحال رجل ( استوقد) أوقد ( نارًا) المثل في الثلاث بفتح الميم والمثلثة ووقود النار سطوعها وهو جوهر لطيف مضيء حار محرق واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابًا { فلما أضاءت ما حوله} الإضاءة فرط الإنارة ومصداقه قوله تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا} [يونس: 5] وأضاءت متعدية فما موصولة مفعول به أي أضاءت النار ما حول المستوقد، ويجوز أن تكون متعدية فيسند الفعل إلى ما على تأويل أضاءت الأماكن التي حول المستوقد أو يسند إلى ضمير النار فعلى هذا ينتصب ما حوله على الظرفية أي أضاءت النار في الأمكنة التي حول المستوقد وإنما أضاء إشراق النار في حولها لا هي نفسها، لكن يجعل إشراق ضوء النار بمنزلة إشراق النار في نفسها لأن ضوء النار لما كان محيطًا بالمستوقد مشرقًا فيما حوله غاية الإشراق أسند الفعل إلى النار نفسها إسنادًا للفعل إلى الأصل كقولهم بنى الأمير المدينة قاله في فتوح الغيب وجواب فلما قوله ( جعل الفراش) بفتح الفاء والراء المخففة وبعد الألف معجمة دواب مثل البعوض في الأصل واحدتها فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج بسبب ضعف أبصارها فهي بسبب ذلك تطلب ضوء النهار فإذا رأت السراج بالليل ظنت أنها في بيت مظلم وأن السراج كوّة في البيت المظلم إلى الموضع المضيء ولا تزال تطلب الضوء وترمي بنفسها إلى الكوة فإذا جاوزتها ورأت الظلام ظنت أنها لم تصب الكوة ولم تقصدها على السداد فتعود إليها حتى تحترق ( وهذه الدواب) جمع دابة ( التي تقع في النار) كالبرغش والبعوض والجندب ونحوها ( يقعن فيها فجعل الرجل) ولأبي ذر عن الكشميهني وجعل بالواو بدل الفاء ( ينزعهن) بنون قبل الزاي وفي رواية يزعهن بإسقاط النون من وزعه يزعه وزعًا فهو وازع إذا كفه ومنعه ( ويغلبنه) بسكون الغين المعجمة والموحدة ( فيقتحمن فيها) فيدخلن في النار ( فأنا آخذ بحجزكم) بضم الخاء المعجمة وبحجزكم بضم الحاء المهملة وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزة وهي معقد الإزار.
قيل صوابه
حجزهم بالهاء المهملة لأن السابق إنما مثلي ومثل الناس.
وأجيب: بأنه التفات من الغيبة إلى الخطاب اعتناء بشأن الحاضرين في وقوع الموعظة من قلوبهم أتم موقع ومثل ذلك من محاسن الكلام، فكيف يدعي أن الصواب خلافه وفيه التفات من الغيبة في قوله: ومثل الناس إلى الخطاب في قوله وأنا آخذ بحجزكم ( عن) المعاصي التي هي سبب للولوج في ( النار) فهو من وضع المسبب موضع السبب ( وهم) التفات من الخطاب في قوله بحجزكم إلى الغيبة ولأبي ذر عن الكشميهني وأنتم ( يقتحمون) يدخلون ( فيها) .

قال في شرح المشكاة: تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 9] وذلك أن حدود الله هي محارمه ونواهيه كما في الصحيح إلا أن حمى الله محارمه ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها واستيفاء لذتها وشهواتها فشبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إظهار تلك الحدود من الكتاب والسنّة باستنقاذ الرجال من النار وشبه فشوّ ذلك في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان وتعديهم حدود الله وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي يقتحمن في النار ويغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك والفراش لجهلها جعلته سببًا لهلاكها، فكذلك القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لتردّيهم وفي قوله: آخذ بحجزكم استعارة مثل حالة منعه الأمة عن الهلاك بحالة رجل أخذ بحجرة صاحبه الذي كان يهوي في مهواة مهلكة اهـ.

وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى { ووهبنا لداود سليمان} [ص: 30] مختصرًا.




[ قــ :6146 ... غــ : 6484 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة ( عن عامر) الشعبي أنه قال: ( سمعت عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه- ( يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المسلم) الكامل ( من سلم المسلمون) والمسلمات ( من لسانه ويده) إلا في حد أو تعزير أو تأديب مع انضمام باقي الصفات التي هي أركان الإسلام وعبّر باللسان دون القول ليدخل فيه من أخرج لسانه استهزاء بصاحبه وخص اليد لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها ( والمهاجر) أي المهاجر حقيقة ( من هجر) ترك ( ما نهى الله عنه) على لسان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام وفيه تطييب قلب من لم يهاجر إلى المدينة لفوات ذلك بفتح مكة أو قاله تنبيهًا للمهاجر أن لا يتكل على مجرد الهجرة ويقصر في العمل.

والحديث سبق في الإيمان.