فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الرياء والسمعة

باب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ
( باب) ذم ( الرياء) وهو بكسر الراء وبعد التحتية المخففة ألف فهمزة إظهار العبودية للناس ليحمدوه والمرائي العابد والمراءى له هو الناس والمراءى به هو الخصال الحميدة والرياء هو قصد
إظهار ذلك ( والسمعة) بضم السين المهملة وسكون الميم وهي التنويه بالعمل ليسمعه الناس فمتعلق الرياء البصر والسمعة السمع.


[ قــ :6161 ... غــ : 6499 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان) الثوري أنه قال: ( حدثني) بالإفراد ( سلمة بن كهيل) بضم الكاف وفتح الهاء ابن يحيى الحضرمي من علماء الكوفة قال البخاري: ( وحدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن سلمة) بن كهيل أنه ( قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم وسكون النون وضم المهملة وفتحها ابن عبد الله البجلي ( يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
قال سلمة بن كهيل ( ولم أسمع أحدًا) من الصحابة ( يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غيره) غير جندب أو مراده كما قال الكرماني ولم يبق من الصحابة حينئذٍ غيره في ذلك المكان، لكن تعقبه في الفتح بأنه كان بالكوفة حينئذٍ أبو جحيفة السوائي وعبد الله بن أبي أوفى وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين أن يكون مراده أنه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودًا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا ( فدنوت) قربت ( منه فسمعته يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من سمع سمع الله به) بفتح المهملة والميم المشددة فيهما.
قال الحافظ المنذري: أي من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد، وقال في المصابيح: هو على المجازاة من جنس العمل أي من شهر عمله سمعه الله ثوابه ولم يعطه إياه، وقيل من أسمع الناس عمله سمعهم الله إياه وكان ذلك حظه من الثواب، وقال غيره أي من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثًا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة ( و) كذلك ( من يرائي يرائي الله به) بضم التحتية وكسر الهمزة بعدها تحتية للإشباع فيهما فلا يظفر من ريائه إلا بفضيحته وإظهار ما كان يبطنه من سوء الطوية نعود بالله من ذلك، ولابن المبارك في الزهد من حديث ابن مسعود: من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به ومن تطاول تعاظمًا خفضه الله ومن تواضع تخشعًا رفعه الله، وفي حديث جابر عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة، وليعلم أن الرياء يكون بالبدن كإطراقه رأسه ليرى أنه متخشع، والهيئة في كإبقاء أثر السجود، والثياب كلبسه خشنها وقصيرها جدًّا، والقول كالوعظ وحفظ علوم الجدل وتحريك شفتيه بحضور الناس وكل واحد منها قد يراءى به باعتبار الدين وباعتبار الدنيا وحكم الرياء بغير العبادات حكم طالب المال والجاه
وحكم محض الرياء بالعبادة إبطالها وإن اجتمع قصد الرياء وقصد العبادة أعطي الحكم للأقوى، فيحتمل الوجهين في إسقاط الفرض به والمصر على إطلاع الغير على عبادته إن كان لغرض دنيوي كإفضائه إلى الاحترام أو شبهه فهو مذموم وإن كان لغرض أخروي كالفرح بإظهار الله جميله وستره قبيحه أو لرجاء الاقتداء به فممدوح وعليه يحمل ما يحدث به الأكابر من الطاعات، وليس من الرياء ستر المعصية بل ممدوح وإن عرض له الرياء في أثناء العبادة ثم زال قبل فراغها لم يضر، ومتى علم من نفسه القوّة أظهر القربة، وقد قيل: العمل ولو خفت عجبًا مستغفرًا منه.

والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب وابن ماجة في الزهد والله الموفق.