فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة

باب يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ
رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

هذا ( باب) بالتنوين ( يقبض الله) عز وجل ( الأرض) زاد أبو ذر يوم القيامة ( رواه) أي قوله يقبض الله الأرض ( نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في التوحيد وهو ثابت هنا في رواية المستملي كما في الفرع كأصله.
وقال في الفتح: هذا التعليق سقط هنا في رواية بعض شيوخ أبي ذر.


[ قــ :6181 ... غــ : 6519 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ وَيَطْوِى السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ»؟.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( حدثني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبو محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( يقبض الله الأرض) يوم القيامة أي يضم بعضها إلى بعض ويبيدها ( ويطوي السماء) أي يذهبها ويفنيها ( بيمينه) بقدرته.
قال البيضاوي: عبر بذلك عن إفناء الله تعالى هذه المقلة والمظلة ورفعهما من البين وإخراجهما من أن يكونا مأوى ومنزلاً لبني آدم بقدرته الباهرة التي تهون عليها الأفعال العظام التي تتضاءل دونها القوى والقدر وتتحير فيها الأفهام والفكر على طريقة التمثيل والتخييل ( ثم يقول) جل وعلا ( أنا الملك) بكسر اللام أي ذو الملك على الإطلاق ( أين ملوك الأرض) العبد إذا وصف بالملك فوصف الملك في حقه مجاز والله تعالى مالك الملك فالملك مملوك المالك، فإذًا لا ملك ولا مالك إلا هو وكل ملك في الدنيا ملكة عارية منه تعالى مستعار مردود إليه، وإليه الإشارة بقوله في المحشر: { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر: 16] ومن ثم سمى نفسه مالك يوم الدين لأن العارية من الملك والملك عادت وردت إلى مالكها ومعيرها وقوله تعالى: أين ملوك الأرض هو عند انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث.

والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في البعث والتفسير وابن ماجة في السنة.




[ قــ :618 ... غــ : 650 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِى السَّفَرِ نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «بَلَى» قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَنَظَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِلَيْنَا
ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ»؟ قَالَ: «إِدَامُهُمْ بَالاَمٌ وَنُونٌ»؟
قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: «ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام مولى بني فهم وهو من نظراء مالك قال كان مغله فى العام ثمانين ألف دينار فيما وجبت عليه زكاة ( عن خالد) هو ابن يزيد من الزيادة الجمحي بضمّ الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة ( عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المدني ( عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري ( عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة الهلالي القاص مولى ميمونة ( عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( تكون الأرض) أي أرض الدنيا ( يوم القيامة خبزة واحدة) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها هاء تأنيث وهي الطلمة بضم الطاء المهملة وسكون اللام التي توضع في الملة بفتح الميم واللام المشددة الحفرة بعد إيقاد النار فيها.
قال النووي: ومعنى الحديث أن الله تعالى يجعل الأرض كالطلمة والرغيف العظيم اهـ.

وحمله بعضهم على ضرب المثل فشبهها بذلك في الاستدارة والبياض والأولى حمله على الحقيقة مهما أمكن وقدرة الله صالحة لذلك بل اعتقاد كونه حقيقة أبلغ، وقد أخرج الطبري عن سعيد بن جبير قال: تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه، ومن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب أو محمد بن قيس ونحوه للبيهقي سند ضعيف عن عكرمة: تبدل الأرض مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب، ويستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الأرض حتى يأكلوا منها من تحت أقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة، وإلى هذا القول ذهب ابن برّجان في كتاب الإرشاد كما نقله عنه القرطبي في تذكرته.

( يتكفؤها) بفتح التحتية ثم الفوقية والكاف والفاء المشددة بعدها همزة أي يقلبها ويميلها ( الجبار) تعالى ( بيده) بقدرته من هاهنا إلى هاهنا ( كما يكفأ) بفتح التحتية وسكون الكاف يقلب ( أحدكم خبزته) من يد إلى يد بعد أن يجعلها في الملة بعد إيقاد النار فيها حتى تستوي ( في السفر) بفتح المهملة والفاء ( نزلاً) بضم النون والزاي وإسكانها مصدر في موضع الحال ( لأهل الجنة) يأكلونها في الموقف قبل دخولها أو بعده ( فأتى رجل من اليهود) أي أعرف اسمه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الكشميهني: فأتاه رجل من اليهود ( فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا) بالتخفيف ( أخبرك) بضم الهمزة وكسر الموحدة ( بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( بلى) أخبرني ( قال) اليهودي: ( تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلينا ثم ضحك حتى بدت) ظهرت ( نواجذه) إذ أعجبه إخبار اليهودي عن كتابهم بنظير ما أخبر به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جهة الوحي، وقد كان يعجبهُ موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فكيف
بموافقتهم فيما أنزل عليه والنواجذ بالنون والجيم والذال المعجمة جمع ناجذ وهو آخر الأضراس وقد يطلق عليها كلها وعلى الأنياب ( ثم قال) اليهودي وللكشميهني فقال: ( ألا أخبرك) ؟ يا أبا القاسم ولمسلم أخبركم ( بإدامهم) بكسر الهمزة الذي يأكلون به الخبز ( قال: أدامهم با) بفتح الموحدة من غير همز ( لام) بتخفيف الميم والتنوين مرفوعة ( ونون) بلفظ حرف الهجاء التالي منوّنة مرفوعة ( قالوا) : أي الصحابة ( وما) تفسير ( هذا؟ قال) اليهودي بل لام ( ثور ونون) أي حوت كما حكى النووي اتفاق العلماء عليه.
قال: وأما بالام ففي معناه أقوال، والصحيح منها ما اختاره المحققون أنها لفظة عبرانية معناها بها الثور كما فسرها اليهودي، ولو كانت عربية لعرفها الصحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها ( يأكل من زائدة كبدهما) القطعة المنفردة المتعلقة بكبدهما وهي أطيبه ( سبعون ألفًا) الذي يدخلون الجنة بغير حساب خصوا بأطيب النزل أو لم يرد الحصر بل أراد العدد الكثير قاله القاضي عياش.

والحديث أخرجه مسلم في التوبة.




[ قــ :6183 ... غــ : 651 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِىٍّ» قَالَ سَهْلٌ: أَوْ غَيْرُهُ «لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ».

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الحكم بن محمد الحافظ أبو محمد الجمحي مولاهم قال: ( أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: ( حدثني) بالإفراد ( أبو حازم) سلمة بن دينار ( قال: سمعت سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما الساعدي -رضي الله عنه- ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يقول) :
( يحشر الناس) بضم التحتية من يحشر مبنيًّا للمفعول أي يحشر الله الناس ( يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء بعدها راء فهمزة ليس بياضها بالناصع أو تضرب إلى الحمرة قليلاً أو خالصة البياض أو شديدته والأوّل هو المعتمد ( كقرصة) خبز ( نقي) سالم دقيقه من الغش والنخال ( قال سهل) هو ابن سعد المذكور بالسند السابق ( أو غيره) بالشك.
قال في الفتح: ولم أقف على اسم الغير ( ليس فيها) أي في الأرض المذكورة ( معلم) فتح الميم واللام بينهما عين مهملة ساكنة علامة ( لأحد) يستدل بها على الطريق.
وقال عياض: ليس فيها علامة سكنى ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدى بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة، وفيه تعريض بأن أرض الدنيا ذهبت وانقطعت العلاقة منها.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 48] الآية.
قال: تبدل الأرض أرضًا كأنها فضة لم يسف فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف.
نعم أخرجه البيهقي من طريق آخر مرفوعًا لكنه قال: الموقوف أصح.
وعند الطبري من
طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعًا: يبدّل الله الأرض بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا، وعن علي موقوفًا نحوه، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أرض كأنها فضة والسماوات كذلك، وعند عبد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال: بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها والحكمة في ذلك كما في بهجة النفوس أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرًا عن عمل المعصية والظلم، وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته ولأن الحكم فيه إنما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصًا له وحده اهـ.

والحديث أخرجه مسلم في التوبة.