فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 5]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4 - 6]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: 169] قَالَ: الْوُصُلاَتُ فِى الدُّنْيَا.

( باب قول الله تعالى: { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون} ) فيسألون عما فعلوا في الدنيا فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على قبائح الأفعال ( { ليوم عظيم} ) يوم القيامة وعظمه لعظم ما يكون فيه ( { يوم يقوم الناس لرب العالمين} ) [المطففين: 4 - 5] لفصل القضاء بين يدي ربهم ويتجلى سبحانه وتعالى بجلاله وهيبته وتظهر سطوات قهره على الجبارين روي أن ابن عمر قرأ سورة التطفيف حتى بلغ هذه الآية فبكى بكاء شديدًا ولم يقرأ ما بعدها ويوم نصب بمبعوثون.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: وسقطت الواو لأبي ذر في تفسير قوله تعالى: { ( وتقطعت بهم الأسباب} ) [البقرة: 166] ( قال) : أي ( الوصلات) بضم الواو والصاد المهملة وفتحها وسكونها التي كانت بينهم من الاتباع ( في الدنيا) .
أخرجه موصولاً عبد بن حميد وابن أبي حاتم بسند ضعيف عنه بلفظ المودة.
نعم أخرجه بلفظ التواصل والمواصلة عبد وابن أبي حاتم أيضًا لكن من طريق عبيد المكتب عن مجاهد قال: تواصلهم في الدنيا ولعبد من طريق سفيان عن قتادة قال: الأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة، وأصل السبب الحبل لأن كل ما يتوصل به إلى شيء يسمى سببًا.


[ قــ :6193 ... غــ : 6531 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ: «يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِى رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة الوراق قال: ( حدّثنا عيسى بن يونس) بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي أحد الأعلام في الحفظ والعبادة قال: ( حدّثنا ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: في قوله تعالى ( { يوم يقوم الناس لرب العالمين} ) [المطففين: 6] ( قال) :
( يقوم أحدهم في رشحه) بفتح الراء وسكون الشين المعجمة بعدها حاء مهملة في عرق نفسه من شدة الخوف ( إلى أنصاف أذنيه) قال: في الكواكب هو كقوله تعالى: { فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] ويمكن الفرق بأنه لما كان لكل شخص أذنان فهو من باب إضافة الجمع إلى مثله بناء على أن أقل الجمع اثنان اهـ.
وشبه برشح الإناء لكونه يخرج من البدن شيئًا فشيئًا.

والحديث أخرجه مسلم في صفة النار والترمذي في الزهد والتفسير والنسائي في وابن ماجة في الزهد.




[ قــ :6194 ... غــ : 653 ]
- حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِى الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدثني) بالإفراد ( سليمان) بن بلال ( عن ثور بن زيد) بالمثلثة الديلي ( عن أبي الغيث) سالم مولى عبيد الله بن مطيع ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( يعرق الناس) بفتح الراء ( يوم القيامة) بسبب تراكم الأهوال ودنوّ الشمس من رؤوسهم والازدحام ( حتى يذهب عرقهم) يجري سائحًا ( في) وجه ( الأرض) ثم يغوص فيها ( سبعين ذراعًا) أي بالذراع المتعارف أو الذراع الملكي وللإسماعيلي من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال سبعين باعًا ( ويلجمهم) بضم التحتية وسكون اللام وكسر الجيم من ألجمه الماء إذ بلغ فاه ( حتى يبلغ آذانهم) وظاهره استواء الناس في وصول العرق إلى الآذان، وهو مشكل بالنظر إلى العادة فإنه
قد علم أن الجماعة إذا وقفوا في ماء على أرض مستوية تفاوتوا في ذلك بالنظر إلى طول بعضهم وقصر بعضهم.
وأجيب: بأن الإشارة بمن يصل إلى أذنيه إلى غاية ما يصل الماء ولا ينفي أن يصل إلى دون ذلك.
ففي حديث عقبة ابن عامر مرفوعًا: فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ فخذيه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ فاه، ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده فوق رأسه، رواه الحاكم، وظاهر قوله الناس التعميم لكن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: يشتد كرب الناس ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون؟ قال: على كراسي من ذهب وتظلل عليهم الغمام.
وقال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة: هو مخصوص وإن كان ظاهره التعميم بالبعض وهم الأكثر قيل له فأين المؤمنون؟ قال: على كراسي من ذهب وتظلل عليهم الغمام.
وقال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة: هو مخصوص وإن كان ظاهره التعميم بالبعض وهم الأكثر ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله، فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم في بالنسبة إلى الكفار، وعن سلمان مما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له بسند جيد وابن المبارك في الزهد قال: تعطي الشمس يوم القيامة حرّ عشر سنين ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوس فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل.
زاد ابن المبارك في روايته.
ولا يضر حرّها يومئذٍ مؤمنًا ولا مؤمنة، والمراد كما قال القرطبي: من يكون كامل الإيمان لما ورد أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم وفي رواية صححها ابن حبان أن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول: يا رب أرحني ولو إلى النار.

وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النار أعاذنا الله منها ومن كل مكروه بمنه وكرمه.