فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وكان أمر الله قدرا مقدورا} [الأحزاب: 38]


[ قــ :6256 ... غــ : 6602 ]
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ وَعِنْدَهُ سَعْدٌ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذٌ أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى كُلٌّ بِأَجَلٍ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ».

وبه قال: ( حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: ( حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق ( عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول ( عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن النهدي ( عن أسامة) بن زيد بن حارثة -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه رسول إحدى بناته) هي زينب كما عند ابن أبي شيبة ولم يسم الرسول ( وعنده سعد) هو ابن عبادة ( وأبي بن كعب ومعاذ) هو ابن جبل ( أن ابنها) علي بن أبي العاص بن الربيع ( يجود بنفسه) أي في سياق الموت.

واستشكل كونه علي بن أبي العاص مع قوله في آخر الحديث كما في الجنائز فرفع إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبي بأن المذكور عاش إلى أن ناهز الحلم فلا يقال فيه صبي عرفًا، فيحتمل أن يكون عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعند البلاذري في الأنساب أنه لما توفي وضعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء أو هو محسن كما عند البزار من حديث أبي هريرة لما ثقل ابن لفاطمة فبعثت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر نحو حديث الباب وقيل غير ذلك مما سبق في الجنائز.

( فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( إليها) يقرئها السلام ويقول ( لله ما أخذ ولله ما أعطى) أي الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له أو ما مصدرية أي لله الأخذ والإِعطاء ( كل بأجل فلتصبر ولتحتسب) يجوز أن يكون أمرًا للغائب المؤنث أو الحاضر على قراءة من قرأ فبذلك فلتفرحوا بالمثناة الفوقية على الخطاب وهي قراءة رويس.
قال الزمخشري وهي الأصل والقياس، وقال أبو حيان: إنها لغة قليلة يعني أن القياس أن يؤمر المخاطب بصيغة افعل وبهذا الأصل قرأ أبي فافرحوا موافقة لمصحفه وهذه قاعدة كلية وهي أن الأمر باللام يكثر في الغائب والمخاطب المبني للمفعول مثال الأول ليقم زيد وكالآية الكريمة، ومثال الثاني لتعن بحاجتي لا إن كان مبنيًّا للفاعل كقراءة روش هذه بل الكثير في هذا النوع الأمر بصيغة افعل نحو: قم يا زيد وقوموا وكذلك يضعف الأمر باللام للمتكلم وحده أو ومعه غيره نحو: لأقم تأمر نفسك بالقيام، ومثال الثاني لنقم أي نحن وكذلك النهي، والمراد بالاحتساب أن تجعل الولد في حسابه لله فتقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وهو معنى قوله السابق: لله ما أخذ ولله ما أعطى.




[ قــ :657 ... غــ : 6603 ]
- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِىُّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ رَجُلٌ مِنِ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْمَالَ كَيْفَ تَرَى فِى الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ إِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَّ هِىَ كَائِنَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( حدّثنا) وفي اليونينية أخبرنا ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الله بن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها راء فتحتية أخرى فزاي ( الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة بعدها تحتية مشددة ( أن) بفتح الهمزة ( أبا سعيد الخدري) -رضي الله عنه- ( أخبره أنه بينما) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني بينا ( هو جالس عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء رجل من الأنصار) هو أبو صرمة بن قيس أو هو أبو سعيد كما عند المصنف في المغازي أو مجري بن عمرو الضمري كما عند ابن منده في المعرفة ( فقال: يا رسول الله إنّا نصيب) في المغازي ( سببًا) أي جواري مسبيات ( ونحب المال كيف ترى في العزل) ؟ وهو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا ورد العزل الوأد الخفي قال: أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا زوجته الأمة سواء رضيت أم لا لأن عليه ضررًا في مملوكته بأن يصيرها أم ولد لا يجوز بيعها وفي زوجته الرقيقة يصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه، أما زوجته الحرّة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أو إنكم) بفتح الواو وكسر الهمزة بعدها ( تفعلون) ولأبي ذر لتفعلون ( ذلك) العزل ( لا
عليكم أن لا تفعلوا)
ولأبي ذر أن تفعلوا أي لا بأس عليكم أن تفعلوا ولا مزيدة فيجوز العزل أو غير زائدة فهو نهي عنه وقال لا لما سألوه وقوله عليكم أن لا تفعلوا كلام مستأنف مؤكد له ( فإنه ليست نسمة) بفتح النون والمهملة والميم نفس ( كتب الله) عز وجل أي قدر ( أن تخرج) من العدم إلى الوجود ( إلا هي كائنة) .




[ قــ :658 ... غــ : 6604 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَةً مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ ذَكَرَهُ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إِنْ كُنْتُ لأَرَى الشَّىْءَ قَدْ نَسِيتُ فَأَعْرِفُ مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن مسعود) أبو حذيفة النهدي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( عن حذيفة) بن اليمان ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لقد خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة ما ترك فيها) في الخطبة ( شيئًا) هو كائن من الأمور المقدرة ( إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله) .
ولمسلم من رواية جرير عن الأعمش حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ( إن كنت) هي المخففة من الثقيلة ( لأرى الشيء قد نسيت) بفتح همزة لأرى وحذف المفعول من نسيت ولأبي ذر عن الكشميهني نسيته ثم أتذكره ( فأعرف) ولأبي ذر فأعرفه ( ما) وفي نسخة كما ( يعرف الرجل) أي الرجل فحذف المفعول وفي رواية بإثباته ( إذا غاب عنه فرآه فعرفه) .
وعند الإسماعيلي من رواية محمد بن يوسف عن سفيان كما يعرف الرجل وجه الرجل غاب عنه ثم رآه فعرفه أي الذي كان غاب عنه فنسي صورته ثم إذا رآه عرفه.

والحديث أخرجه مسلم في العتق وأبو داود .




[ قــ :659 ... غــ : 6605 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِى الأَرْضِ.

     وَقَالَ : «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلاَ نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، ثُمَّ قَرَأَ: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} » [الليل: 5] الآيَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي ( عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري ( عن الأعمش) سليمان ( عن سعد بن عبيدة)
بضم العين وبسكونها في الأول السلمي الكوفي ( عن) ضمرة ( أبي عبد الرَّحمن) عبد الله بن حبيب التابعي الكبير ( السلمي) بضم السين وفتح اللام ( عن علي -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كنا جلوسًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الجنائز في موعظة المحدث عند القبر من طريق منصور عن سعد بن عبيدة كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقعد وقعدنا حوله ( ومعه عود ينكت) بفتح التحتية وسكون النون وبعد الكاف المضمومة مثناة فوقية أي يضرب به ( في الأرض) كما هي عادة من يتفكر في شيء يهمه ( وقال) بالواو وسقطت لأبي ذر وفي الجنائز ثم قال:
( ما منكم من أحد) وزاد في رواية منصور ما من نفس منفوسة ( إلا قد كتب مقعده) موضع قعوده ( من النار أو من الجنة) فأو للتنويع أو بمعنى الواو ويؤيده رواية منصور إلا كتب مكانها من الجنة والنار وفي رواية سفيان إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وفي حديث ابن عمر عند المؤلّف الدلالة على أن لكل أحد مقعدين ( فقال رجل من القوم) في مسلم أنه سراقة بن مالك بن جعشم ( ألا) بالتخفيف ( نتكل) أي نعتمد زاد منصور على كتابنا وندع العمل ( يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا) تتركوا العمل بل ( اعملوا) امتثالاً لأمر المولى وعبودية له ولقوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] ( فكل ميسر) بفتح السين المشدّدة زاد في رواية شعبة عن الأعمش السابقة في سورة الليل لما خلق له ( ثم قرأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { فأما من أعطى واتقى} [الليل: 5] الآية) .

قال الخطابي رحمه الله: إن قول الصحابي هذا مطالبة بأمر يوجب تعطيل العبودية فلم يرخص له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن إخبار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سابق الكتاب إخبار عن غيب علم الله تعالى فيهم وهو حجة، عليهم، فرام أن يتخذه حجة لنفسه في ترك العمل فأعلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هاهنا أمرين محكمين لا يعطل أحدهما بالآخر: باطن وهو الحكمة الموجبة في حكم الربوبية، وظاهر وهو السمة اللازمة في حق العبودية وهي أمارة ومخيلة غير مفيدة حقيقة العلم، ويشبه أن يكون والله أعلم إنما عوملوا بهذه المعاملة وتعبدوا بهذا التعبد ليتعلق خوفهم رجاؤهم بالباطن وذلك من صفة الإيمان وبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن كلاًّ ميسر لما خلق له وأن عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل، وهذه الأمور في حكم الظاهر ومن وراءه ذلك حكم الله تعالى وهو الحكيم الخبير لا يسأل عما يفعل واطلب نظيره من الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب، ومن الأجل المضروب مع المعالجة بالطب المأمور بها.

والحديث سبق في باب موعظة المحدث عند القبر من الجنائز ولما كان ظاهر هذا الحديث يقتضي اعتبار العمل الظاهر أردفه بما يدل على أن الاعتبار بالخاتمة فقال: